اعتاد وهو يصطاد في ساحةٍ تؤمها أشجار ومنازل متواضعة، يجلس في ركن مراقباً قدوم فريستهِ حاملاً كَُتيب وقلم متظاهراً أنه يرى مايعجّ به مِن كلمات وإن في ساعةٍ يصْعُـب التّمييز فيها بين السكون و الكسرة
مكث دقائق ثم ساعات فدفعته وحدانيته إلى التفكير بحده في ترك المكان، اتخذ القرار وابتعد عنه بخطوات معدودات فإذا بحاسته الدقيقة تلتقط أصوات يصعب فهمها، حاول الاقتراب من مصدرها متجسِّساً بسمعه في هدوء لالتقاط الكلمات المنحدرة فإذا به يفاجأ بتأوهاتٍ ثم بكاء واحتجاج، فدفعه مستواه الثقافي لفهم ما يجري في عين المكان، قرَّر الاستغناء عن حاسته تلك واستعمال أخرى تكون أفضل وأدق لمعرفة ما يحدث في المحيط، تسلَّل ببصره يميناً ويساراً فإذا به يرى ما يصعب على اللِّسان وصفه، حكم الصياد على المشهد بتفسُّخٍ أخلاقي وفراغ يعيشه بعض سكان المكان، فأخذ طريقه إلى شارعٍ تعمه المارة وتتعالى فيه أصوات الباعة لعلّه ينسى ما أعاشه في عالم الظلام، وفي طريقه ذاك صادف فتاة ذو سُحنةٍ سمراء تعلوها مسحَةٍ بيضاء مرتدية لباسٍ تقليديٍّ أصيل، المهم أن كل معليها يصرخ أنها أمازيغيةٌ من أعماق الجنوب، أحبَّها وأحبَّته، لِحَدِّ تشَكُّلِ صورةِ روميو وجُولِيت بينهما، تحابا إلى درجةٍ أنهما قطعا الوعود بالزواج، يلتقيان مختبِئيـن ليمارسان ما ظنا أنَّه تمهيـدٌ لارتباط آتٍ لا محالة دون أن يفكرا أنَّ هناك تعاليم وتقاليد مريضة يمكن أن تعترض حُبَّهما، عشقتِ الفتاة الشاب لجماله ومكان استقراره وفي غفلةٍ منها أنَّ أمها لمكان استقراره وللِّسان العربي هي كارهة وبأزياء ماضٍ متشبثة
تقدم المغرم لِطلب يد محبوبتهِ السَّمراء من أبيها فقامت الذنيا ولم تقعد، فأبى أبويها وكانت من الخاسرين، فأخذت الفتاة تثور على أهلها دِفاعاً عن حبِّها رغم سخط الأب وتهديد الإخوة بالوَيْلات، فضل الشاب ذو اللِّسان العربي وهو بين المطرقة والسندان التراجـع، وذالك بسبب تشبث أهل الفتاة بتقاليد وتعاليم ميِّتـــة
أليس هذا تناقض غريب وهدم للقيم وتأزّم لنفوس الشــباب