أرسطوطاليس عضو نشيط
عدد المساهمات : 12 نقاط : 4983 تاريخ التسجيل : 11/10/2010
| موضوع: المحايثة immanence الإثنين أكتوبر 11, 2010 11:09 pm | |
|
المحايثة immanence
يعد مفهوم " المحايثة " من المفاهيم التي أشاعتها البنيوية في بداية الستينات، ليصبح بعد ذلك مفهوما مركزيا استنادا إليه يفهم النص وتنجز قراءاته. وأصبح "التحليل المحايث" هو كلمة السر التي يتداولها البنيويون كبضاعة مهربة تشفي من كل الأدواء. ف" التحليل المحايث" هو وحده الذي يجيب عن كل الأسئلة ويدرك كل المعاني. والمقصود بالتحليل المحايث أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولا عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن المحايثة لها أصول أخرى غير ما أثبتته البنيوية في تفاصيل تحاليلها. فالمحايثة هي ما هو معطى بشكل سابق على الفعل الإنساني وتمفصلاته، فهي، كما يشير إلى ذلك لالاند في قاموسه،(2) مرتبطة بنشاطين : نشاط يحيل على كل ما هو موجود بشكل ثابت وقار في كائن ما، وآخر يحيل على ما يصدر عن كائن ما معبرا عن طبيعته الأصلية. وفي الحالتين معا نكون أمام مضامين سابقة ومعطاة مع الطبيعة ذاتها. وفي هذا السياق فإن المحايثة هي رصد لعناصر لا تفرزها السيرورة الطبيعية لسلوك إنساني مدرج داخل الزمنية باعتبارها مدى يخبر عن المضامين وينوعها. ولقد حاول القديس أوغستين (3)شرح السيرورة المنتجة للتلفظ الإنساني باعتباره مدخلا أساسا نحو الفهم وإنتاج الدلالات، من خلال القول بوجود " معرفة محايثة" يمتلكها الله ويسربها إلى الإنسان عبر مفصلتها في ألفاظ ثلاثة : لفظ القلب وهو لفظ مفكر فيه خارج أي لسان وهو ما يشبه القدرة التي يملكها الإنسان من أجل اكتساب اللغة، واللفظ الداخلي، وهو لفظ مفكر فيه من خلال لسان ما، وهو ما يشبه لحظة تصور العالم من خلال حدود لسانية، ثم اللفظ الخارجي، وهو اللفظ الذي ينتسب إليه الفرد اختيارا أو قدرا. والأساس في كل هذا أن المعرفة، من منظور لاهوتي، سابقة في الوجود على السلوك الإنساني ومصدرها محفل متعال، ولا يقوم هذا الإنسان إلا بتصريفها في وقائع بعينها. وتعد هذه التعاريف مدخلا رئيسا لتحديد مضمون هذا المفهوم في مواقعه الجديدة كالتحليل السردي مثلا، حيث يشار إلى مفاهيم مشتقة منه ولا تدرك إلا في علاقتها به من قبيل "الدلالة الأصولية" و"مستويات التحليل" و"النص ومستوياته". ولقد كانت السميائيات السردية، خاصة تحت تأثير يالمسليف، الذي كان يقول بضرورة دراسة اللسان دراسة محايثة بعيدا عن كل العناصر الخارجية، سباقة إلى الاستفادة من المردودية المعرفية والتحليلية لهذا المبدأ في تحديد مستويات الدلالة وأنماط تشكلها. فاستنادا إلى روح هذا المفهوم تبلورت الفكرة القائلة بأن الدلالة لا تكترث للمادة الحاملة لها، ولا دور لهذه المادة في ظهورها وانتشارها واستهلاكها. وهذا معناه أن هناك سقفا مضمونيا ( مادة مضمونية محايثة ) يتحدد من خلال ثنائيات توجد خارج مدارات التحقق. وعلى هذا الأساس كان الحديث عن المحايثة والتجلي باعتبارهما يغطيان نمطين للوجود في حياة الدلالة وتجليها عبرالوسيط السردي : المادة المضمونية العديمة الشكل، وهي المادة التي يستند إليها المبدع بدئيا من أجل إنتاج نصوص مخصوصة. وهناك الأشكال المضمونية التي تشير إلى التحققات الخطابية المخصوصة، وهي ما يخبر عن التلوين الثقافي الخاص بتوزيع المادة المضمونية. على أن المادة المحايثة في هذا المجال لاعلاقة لها بمضامين إلهية أو غيرها. إن الأمر يتعلق بالنماذج السلوكية التي تفرزها الممارسة وتضعها أساسا لكل تواصل. فمن نافلة القول إننا نتواصل من خلال النماذج لا من خلال النسخ المتحققة. والحاصل أن المادة التي نتحدث عنها هي وليدة ممارسة سابقة تمكن السلوك المفرد من التحقق المعقول وتغتني في ذات الوقت من خلال كل تحقق.
مــنــقـول | |
|