سيرته الذاتية
لد ديكارت في بلدة La Haye en Touraine (المعروفة الآن باسم ديكارت، وهي عبارة عن كوميون؛ أصغر وحدات التقسيم الإداري الفرنسي) في المنطقة الإدارية المعروفة باسم أندر ولوار في فرنسا). وعندما بلغ ديكارت سنته الأولى، توفيت والدته إثر إصابتها بمرض السل، وكان والده - جواشيم - عضوًا في البرلمان المحلي. وقد التحق ديكارت في سن الحادية عشرة بالمدرسة الثانوية اليسوعية المعروفة باسم Prytanee National Militaire (مدرسة عسكرية فرنسية كانت تعرف من قبل باسم Collège Royal Henry-Le-Grand في الكوميون الفرنسي المعروف باسم لا فليش. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، درس ديكارت في جامعة بواتياي، وحصل على شهادتي بكالوريوس والليسانس في القانون وذلك في عام 1616 تنفيذًا لأمنية والده الذي تمنى أن يكون ابنه محاميًا.[3]
”
وفي صيف عام 1618، التحق ديكارت بالجيش الذي كان يقوده الجنرال موريس أمير ناسو في الجمهورية الهولندية.[4] وفي العاشر من نوفمبر من عام 1618، التقي في مدينة بريدا التي تقع جنوبي هولندا بالفيلسوف الهولندي ايزاك بيكمان الذي أشعل داخله شرارة الاهتمام بدراسة الرياضيات والفيزياء الحديثة؛ خاصةً الاهتمام بدراسة مسألة سقوط الأجسام الثقيلة. وعندما كان تحت قيادة القائد ماكسيميليان دوق بافاريا، اشترك ديكارت في معركة الجبل الأبيض التي دارت خارج حدود براغ في نوفمبر من عام 1620.[5]
وفي عام 1622، عاد ديكارت إلى فرنسا. وبعد ذلك ببضع سنوات، أمضى بعض الوقت في باريس وفي أجزاء أخرى من أوروبا، ثم عاد إلى مسقط رأسه في La Haye في عام 1623 ليبيع ممتلكاته كلها ويستثمر أمواله التي حصل عليها في مجال السندات المالية التي أمّنت له دخلاً كافيًا ليعيش به باقي أيام حياته. وشهد ديكارت واقعة حصار لاروشيل (حصار لاروشيل) التي تمت في عهد رئيس الوزراء الفرنسي المعروف باسم الكاردينال أرماند جان دي بلسيس؛ والمعروف باسم الكاردينال Richelieu في عام 1627.
وقد عاد ديكارت إلى الجمهورية الهولندية في عام 1628 حيث عاش هناك حتى سبتمبر من عام 1649. وفي أبريل من عام 1629، التحق بجامعة فرانكير، وفي العام التالي، سَجّل نفسه في جامعة لايدن تحت اسم "بواتفين" لدراسة الرياضيات مع جاكوب جوليوس، وعلم الفلك مع مارتن هورتنسيوس [6] وفي أكتوبر من عام 1630، دبّ الخلاف بينه وبين بيكمان الذي اتهمه بانتحال بعض أفكاره (على الرغم من أن الوضع العكسي كان هو الأقرب للصواب) [بحاجة لمصدر]. وفي أمستردام، ارتبط ديكارت بعلاقة مع فتاة تعمل خادمة وتدعى هيلين جانز وأنجب منها طفلتهما - فرانسين - التي ولدت في عام 1635 في مدينة دايفنتر، وذلك في الوقت الذي كان فيه ديكارت يدرس في الجامعة الهولندية المعروفة باسم جامعة أوتريخت. وتوفيت فرانسين ديكارت في عام 1640 في مدينة امرزفورت الهولندية.
وفي الفترة التي عاش فيها ديكارت في هولندا، تنقل بين العديد من مدنها؛ فقد عاش في مدينة دورديخت الهولندية (في عام 1628)، وفي فرانكير (في عام 1629)، وفي أمستردام (في الفترة ما بين عامي 1629 و1630)، وفي لايدن (في عام 1630)، ثم عاد إلى أمستردام مرةً أخرى (في الفترة ما بين عامي 1630 و1632)، وفي مدينة دايفنتر الهولندية (في الفترة ما بين عامي 1632 و1634)، وفي أمستردام مرةً أخرى (في الفترة ما بين عامي 1634 و1635)، وفي أوتريخت (في الفترة ما بين عامي 1635 1636)، ثم عاد إلى لايدن (في عام 1636)، وعاش في ايجموند (في الفترة ما بين عامي 1636 و1638)، وفي سانتبورت (في الفترة ما بين عامي 1638 و1640)، ليعود إلى لايدن (في الفترة ما بين عامي 1640 و1641)، ويعيش في انديجيست (وهو قصر بالقرب من مدينة اوخستخيست) (في الفترة ما بين عامي 1641 و1643). ليستقر أخيرًا ولفترة طويلة في مدينة ايجموند-بينن (في الفترة ما بين عامي 1643 و1649).
وبالرغم من كثرة تنقلاته، فقد قام بكتابة معظم أعماله الرئيسية في فترة العشرين عامًا التي قضاها في هولندا حيث استطاع أن يحدث ثورة في مجالي الرياضيات والفلسفة. وفي عام 1633، أدانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية العالم جاليليو مما أدى إلى تخلي ديكارت عن أحلامه بنشر كتابه Treatise on the World ؛ وهو العمل الذي كان قد ألّفه في السنوات الأربع التي سبقت هذا العام. أما كتابه "مقال عن المنهج" فقد نُشِر في عام 1637. وكان هذا الكتاب من المحاولات الأولى التي تمت لشرح الأفعال المنعكسة أو اللاإرادية بطريقة ميكانيكية. ووضع ديكارت أربع قواعد تحكم الفكر كان المقصود بها التأكد من قيام المعرفة البشرية على أساس راسخ.
واستمر ديكارت في نشر أعماله التي اهتم فيها بمجالي الرياضيات والفلسفة لباقي سنوات عمره. ففي عام 1643، أدانت جامعة أوتريخت الفلسفة الديكارتية، وبدأ ديكارت اتصاله - الذي استمر لسنوات طويلة - بالأميرة الأميرة اليزابيث؛ أميرة بوهيميا، صاحبت لقب Princess Palatine (و التي كانت أميرة إقطاعية لها امتيازات ملكية في المقاطعة التي تحكمها). وفي عام 1647، منحه ملك فرنسا منحة حكومية. وفي عام 1648، أجرى ديكارت مقابلة مع فرانز بورمان في مدينة ايجموند-بينن.
وتوفي رينيه ديكارت في الحادي عشر من شهر فبراير من عام 1650 في مدينة ستوكهولم في السويد حيث كان قد تمت دعوته إلى هناك ليقوم بالتدريس للملكة كريستينا؛ ملكة السويد. ويقال أن السبب وراء وفاة ديكارت كان هو إصابته بمرض الالتهاب الرئوي - فقد اعتاد أن يعمل في فراشه حتى وقت الظهيرة وقد يكون طلب الملكة كريستينا منه أن يقوم بالتدريس لها في الصباح قد أحدث أثرًا ضارًا على صحته (فمن الممكن أن يكون عدم حصوله على قسطِ كافِ من النوم قد قام بتعريض جهازه المناعي لضرر بالغ). ويعتقد آخرون أن ديكارت قد يكون أصيب بهذا المرض بسبب رعايته للسفير الفرنسي - ديجيون إيه نابليون - الذي كان مريضًا بهذا المرض، وذلك حتى تماثل السفير للشفاء.[7]
وفي عام 1663، وضع البابا كتب ديكارت ضمن قائمة الكتب المحظورة.
ولأن ديكارت كان ينتمي للمذهب الروماني الكاثوليكي في دولة يعتنق سكانها المذهب البروتستانتي، فقد تم دفنه بعد وفاته في مقبرة تم إنشاؤها لدفن من لم يمروا بطقوس المعمودية في طفولتهم، وذلك في المقبرة المعروفة باسم Adolf Fredrikskyrkan في ستوكهولم. وفي وقت لاحق، تم نقل رفاته إلى فرنسا حيث دفن في كنيسة [[Sainte-Geneviève-du-Mont (القديس الذي يرعى باريس وفقًا للتقاليد الكاثوليكية الرومانية والأرثوذكسية الشرقية)، وهو أيضًا اسم الكنيسة المدفون فيها رينيه ديكارت|Sainte-Geneviève-du-Mont]] في باريس. ومع ذلك، فقد ظل النصب التذكاري - الذي تمت إقامته لتخليد ذكراه في القرن الثامن عشر - في الكنيسة السويدية.
أعمال ديكارت الفلسفية
يعتبر ديكارت أول مفكر في العصر الحديث يقوم بإعداد إطار فلسفي للعلوم المعروفة باسم العلوم الطبيعية التي كانت قد بدأت في التطور في ذلك الوقت. وفي كتابه مقال عن المنهج ، حاول ديكارت الوصول إلى مجموعة أساسية من المبادئ التي يستطيع المرء التحقق من صدقها دون أدنى شك. وكي يتمكن من تحقيق ذلك، قام ديكارت بتطبيق منهج الشك المُفرط/الميتافيزيقي؛ والذي يعرف أحيانًا باسم الشك المنهجي: وهو منهج يرفض أية أفكار مشكوك فيها ويعيد إثباتها وترسيخها للوصول إلى أساس قوي للمعرفة الحقيقية.[8]
وفي البداية، توصل ديكارت إلى مبدأ واحد وهو أن: الفكر موجود، ولا يمكن فصل الفكر عني. لذلك، أنا موجود (وهو الرأي الذي عرضه في كتابيه مقال عن المنهج ومبادئ الفلسفة . وقد عَبّر ديكارت عن هذا المفهوم بالعبارة اللاتينية التي نالت حظًا وافرًا من الشهرة وهي cogito ergo sum (والتي تعني: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود"). ولذلك، خلص ديكارت إلى الفكرة التي تقول بإنه إذا كان يشك، فلا بد من وجود شيء ما أو شخص ما تساوره هذه الشكوك. وهكذا، تكون حقيقة الشك في حد ذاتها إثباتًا لوجوده. "والمعنى البسيط لهذه العبارة هو إنه إذا كان هناك شخص يتشكك في وجوده يكون هذا دليلاً في حد ذاته على وجوده." [9]
ما خلص ديكارت إلى أنه يستطيع التأكد من وجوده لأنه يفكر. ولكن، ما الإطار الذي يمكن أن تتم فيه هذه العملية؟ فهو يدرك جسده عن طريق استخدام حواسه، وعلى الرغم من ذلك فقد ثبت من قبل إنه لا يمكن الاعتماد على هذه الحواس. لذا، خلص ديكارت إلى أن المعرفة الوحيدة التي لا سبيل إلى الشك فيها هي إنه كائن مفكر . فالتفكير هو الأساس كما أنه الحقيقة الوحيدة عنه التي لا يستطيع أن يشك فيها. ويعرف ديكارت "الفكر" (cogitatio) بإنه: "ما يحدث داخلي فأشعر به على الفور لدرجة تجعلني أدركه." وهكذا، يكون التفكير كل نشاط يقوم به الإنسان وهو مدرك له في الوقت الحاضر.
ولتوضيح القيود المفروضة على الحواس بشكل أكثر، تقدم ديكارت بفكرته المعروفة باسم برهان الشمع . وفي هذا النموذج، اتخذ ديكارت من قطعة الشمع مثالاً يوضح به ما يريد أن يعبر عنه. فحواسه أخبرته بأن لقطعة الشمع خصائصًا معينة من ناحية الشكل والملمس والحجم واللون والرائحة وما إلى ذلك. وعندما قام ديكارت بتعريض قطعة الشمع إلى اللهب، تغيرت هذه الخصائص تمامًا. وبالرغم من ذلك، يبدو أن الشمع لم يتغير في الحالتين: فما زالت قطعة الشمع عبارة عن قطعة من الشمع حتى وإن كانت المعلومات التي وردت إليه عن طريق حواسه قد أخبرته إن كل الخصائص المرتبطة بقطعة الشمع قد تغيرت عند تعريضها للهب. لذلك، انتهى ديكارت إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الحواس في إدراك طبيعة مادة الشمع، بل يجب عليه أن يستخدم عقله. وخلص ديكارت إلى التالي:
وضع ديكارت نظامًا للمعرفة يستغنى عن الإدراك الحسي لأنه لا يمكن الاعتماد عليه ويعترف بدلاً من ذلك بطريقة الاستنتاج فقط كسبيل للحصول على المعرفة. وفي الجزء الثالث والخامس من كتابه تأملات أو "تأملات في الفلسفة الأولى" يقوم ديكارت بعرض دليل وجودي يثبت وجود إله كريم وخيِّر للكون (عن طريق كل من البرهان الوجودي والبرهان المسلّم). ولأن الإله الخالق كريم، فقد أصبح لدى ديكارت نوع من الثقة في التفسير الذي تقدمه له حواسه للحقائق لأن الله قد وهبه عقلاً يعمل وجهازًا حسيًا، ولأن الله لا يرغب في أن يخدعه. وانطلاقًا من هذا الافتراض، استطاع ديكارت أخيرًا أن يثبت إنه من الممكن اكتساب معرفة عن الكون اعتمادًا على الاستنتاج و الإدراك الحسي. وفيما يتعلق بنظرية المعرفة، يمكن أن نقول إن ديكارت قد ساهم بتقديم أفكار مثل الإدراك الدقيق للمعتقدات الأساسية، واعتبار العقل هو السبيل الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه للحصول على المعرفة.
ووفقًا للنظام الديكارتي، تأخذ المعرفة شكل الأفكار، ويعتبر التحقق الفلسفي بمثابة التأمل في هذه الأفكار. وقد ترك هذا المفهوم أثره الكبير في الحركات الذاتية (التي تؤمن بأن تحليل الإنسان لمعتقد أو فكرة ما مرتبط كليًا بتلك المفاهيم التي يحملها هو داخل عقله) لأن نظرية المعرفة الخاصة بديكارت تتطلب أن تستطيع العلاقة المنطقية التي يتوصل إليها الإدراك الواعي التمييز بين المعرفة الحقيقية والزيف. ونتيجة لهذا الشك الديكارتي، رأى ديكارت أن المعرفة المنطقية "لا يمكن أن يتم تدميرها" وسعى لإقامة أساس ثابت يمكن أن يتم فوقه بناء كل المعارف الأخرى. وتكون أولى جزئيات هذه المعرفة الراسخة التي نادى ديكارت بالسعي للوصول إليها هو وجود ذلك الكائن المفكر - الذي سبق الحديث عنه - أو cogito .
وكتب ديكارت ما رد به على [[الشك في وجود العالم الخارجي ( مبدأ ينتمي إلى مدرسة فكرية تحاول التحقق من مفاهيم المعرفة الإنسانية، والتأكد من وجود بعض الأمور التي يمكن أن يتم التأكد منها بشأن تلك المعرفة#دوافع الشك في وجود العالم الخارجي|الشكوكية في وجود العالم الخارجي]]؛ حيث رأى ديكارت أن الإدراك الحسي يأتي إليه بصورة لا إرادية لا دخل له فيها؛ فهي أشياء خارجية بالنسبة لحواسه. ووفقًا لرأي ديكارت يكون هذا دليلاً على وجود شيء خارج عقله، وبالتالي على وجود العالم الخارجي. ويستمر ديكارت في طرح أفكاره ليوضح أن الأشياء الموجودة في العالم الخارجي تتخذ شكلاً ماديًا لأن الله لا يمكن أن يخدعه بشأن تلك الأفكار التي ينقلها إليه لأنه قد خلق داخله تلك "النزعة الطبيعية" التي تجعله يعتقد في أن مثل هذه الأفكار هي نتاج وجود أشياء مادية.
واشتهر ديكارت أيضًا بنظريته المعروفة باسم (النظرية الديكارتية للمغالطات). ويمكن فهم هذه النظرية بصورة سهلة إذا قمنا بصياغتها في تلك الكلمات: "هذه العبارة خاطئة أو كاذبة." وبينما تتم الإشارة إلى هذه النظرية في معظم الأحيان تحت مسمى العبارة الموهمة للتناقض (بمعنى أن تكون العبارة متنافية مع العقل على المستوى الظاهري ومع ذلك تكون العبارة صحيحة)، فإن النظرية الديكارتية للمغالطات تقرر أنه يمكن أن تكون عبارة ما صحيحة وخاطئة في آن واحد بسبب طبيعتها المتناقضة. وهكذا، تكون العبارة صحيحة في مغالطتها. وهكذا، يعود الفضل إلى ديكارت في توضيح النظرية الديكارتية للمغالطات التي أثّرت إلى حد بعيد في طريقة التفكير التي كانت تسود ذلك العصر. فقد كان الكثيرون من المدّعين من الفلاسفة يحاولون وضع عبارات يتعذر فهمها قد تكون في مظهرها الخارجي معبرة عن حقيقة، ولكن جعلت النظرية الديكارتية من المستحيل قبول وتناقل هذه الافتراضات. ويعتقد العديد من الفلاسفة أن نية ديكارت من وراء وضع نظريته للمغالطات كانت هي الكذب؛ الذي كان في حد ذاته - وباستخدامه - وسيلة يجسد بها ديكارت فكرته عن المغالطات.
الثنائية الديكارتية
افترض ديكارت أن الجسد يعمل مثل آلة، وأنه يملك الخصائص المادية التي تمكنه من التمدد والحركة، وإنه يخضع في عمله لقوانين الفيزياء. وعلى الجانب الآخر، وصف العقل (أو الروح) بأنه كيان غير مادي يفتقر إلى القدرة على التمدد والحركة، ولا يخضع لقوانين الفيزياء. وحاول ديكارت أن يبرهن على أن البشر فقط هم من يملكون العقل، وأن العقل يتفاعل مع الجسد داخل الغدة الصنوبرية. وتفترض الثنائية أو الازدواجية أن العقل يتحكم في الجسد، ولكن يمكن للجسد أن يؤثر على العقل سليم التفكير من نواحِ أخرى مثلما يحدث عندما يقوم الإنسان بالتصرف بدافع من مشاعره فقط. وكانت معظم التفسيرات السابقة لتفسير ديكارت للعلاقة بين العقل والجسد أحادية الاتجاه.
وافترض ديكارت أن الغدة الصنوبرية هي "مستقر الروح" للعديد من الأسباب. أولاً، لأن الروح تتكون من وحدة واحدة متكاملة، ولأن الغدة الصنوبرية - على خلاف العديد من المناطق الموجودة في المخ - تبدو مكونة من وحدة واحدة (على الرغم من أن الدراسة الميكروسكوبية لهذه الغدة قد أثبتت فيما بعد أنها تتكون من نصفين كرويين). ثانيًا، لاحظ ديكارت أن مكان الغدة الصنوبرية قريب من التجاويف الدماغية (مجموعة من التراكيب المخية التي تتصل بالحبل الشوكي). واعتقد ديكارت أن السائل المخي الشوكي، الذي يحفظ الصحة والحيوية، لهذه التجاويف الدماغية ينتقل تأثيره عبر الأعصاب ليتحكم في الجسد بأكمله، وأن الغدة الصنوبرية تؤثر في هذه العملية. وأخيرًا، اعتقد ديكارت بصورة غير صحيحة أن الغدة الصنوبرية توجد في أجساد البشر فقط مثلما يقتصر وجود العقل على بني البشر فقط دون غيرهم من المخلوقات. وأدت هذه النظرية بديكارت إلى أن يعتقد أن الحيوانات لا يمكن أن تشعر بالألم، وتم استخدام طريقة ديكارت في تشريح الأحياء لأغراض علمية (تشريح الحيوانات الحية) على نطاق واسع في كل أنحاء أوروبا حتى عصر التنوير في القرن الثامن عشر. واستطاعت فكرة الثنائية الديكارتية أن تفرض وجودها القوي على كل المناقشات الفلسفية التي دارت حول علاقة العقل بالجسد؛ وهي مناقشات استمرت لسنوات طويلة بعد وفاة ديكارت. وظلت التساؤل حول الكيفية التي يستطيع بها العقل غير المادي أن يؤثر في الجسد المادي - دون أي يستدعي الأمر وجود تفسيرات خارقة للطبيعة لتبرير حدوث ذلك - محلاً للجدال حتى يومنا هذا