عدد المساهمات : 25 نقاط : 5514 تاريخ التسجيل : 07/01/2010
موضوع: الأمور الغيبية التي جاء بها القرآن الكريم الثلاثاء فبراير 09, 2010 5:51 pm
الإخبارات الغيبية في القرآن الكريم
ما هو الغَيْب ؟ الغَيْب: كلّ ما غاب عنك؛ قال تعالى « يُؤمنونَ بالغَيب » (1) أي يؤمنون بما غاب عنهم، ممّا أخبرهم به النبيّ صلّى الله عليه وآله من أمر البَعْث والجنّة والنار. والغَيْب كلّ ما غاب عن العُيون، وإن كان مُحصَّلاً في القلوب (2). وعن الإمام الباقر عليه السّلام، قال: إنّ الله تعالى عالمٌ بما غاب عن خلقه فيما يُقدِّر من شيء ويَقضيه في عِلمه قبل أن يخلقه وقبل أن يُفضيه إلى الملائكة، فذلك عِلمٌ موقوفٌ عنده، إليه فيه المشيئة، فيقضيه إذا أراد، ويبدو له فيه فلا يُمضيه؛ وأمّا العِلم الذي يُقدّره الله تعالى ويُمضيه فهو العِلم الذي انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ إلينا (3).
إخبار القرآن الكريم عن الغيب لقد نزل القرآن الكريم من عند علاّم الغيوب تبارك وتعالى، فلا عجب إن مزّق حواجز الغيب: حاجز المكان، وحاجز الزمان بماضيه ومستقبله؛ فأخبر الإنسانَ ( على لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وآله ) عن أمور غيبيّة ساهم المكان والزمان في حجبها وتغييبها عنه، وقصّ عليه قصص الأُمم الغابرة التي فصله عنها حاجز الزمن الماضي، وأنبأه بأمورٍ تَكشّفَ له بعضُها بعد حين، وظلّ بعضُها الآخر ينتظر دوره في التحقّق.
إخبار القرآن الكريم عن الماضي لم يكتفِ القرآن الكريم بإخبار الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله بقصص الأنبياء السالفين الذين لم يشهد زمانهم، حين قصّ عليه قصّة آدم أبي البشر عليه السّلام وخروجه من الجنّة، وقصّة ابنَي آدم عليه السّلام إذ قرّبا قُرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتقبَّل من الآخر، وكيف سَوّلت لقابيل نفسُه قَتْلَ أخيه هابيل، وقصّة نوح عليه السّلام وطوفانه، وهود عليه السّلام وقومه عاد، وصالح عليه السّلام وقومه ثمود وقَتْلهم الناقة التي أكرمهم الله تعالى بها، وإبراهيم عليه السّلام وقصّة بنائه الكعبة، وإسماعيل عليه السّلام وتسليمه لأمر الله تعالى، ولوط عليه السّلام وقومه بالمؤتَفِكات، وذي القَرنَين عليه السّلام وفتوحاته، ويعقوب عليه السّلام وصبره، ويوسُف عليه السّلام واستقامته، وأيّوب عليه السّلام وابتلائه، وموسى وهارون عليهما السّلام، ومريم وعيسى عليهما السّلام. وكان دأبُه أن يُذكّر النبيَّ المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّه لم يحضر هذه الحوادث، وأنّ الله عزّوجلّ هو الذي يُخبره بها. قال عزّ مِن قائل وما كنتَ ثاوياً في أهلِ مَدْيَنَ تتلو عليهم آياتِنا (4) ، وقال وما كنتَ بجانبِ الغَربيِّ إذ قَضَيْنا إلى موسى الأمرَ (5)، وقال وما كنتَ بجانبِ الطُّورِ إذ نادَينا (6)، وقال وما كنتَ لَدَيهم إذ يُلْقُون أقلامَهُم أيُّهم يَكفُلُ مريمَ (7). وتخطّى القرآنُ في إعجازه الإخبار المحض الذي أذعن له أهلُ الكتاب، إلى بيان التحريف الذي وقع في التوراة والإنجيل، وتحدّى أهل الكتاب أن يكذّبوه إن استطاعوا، فقال في سورة مريم ذلك عيسى ابنُ مريمَ قَوْلَ الحقِّ الذي فيه يَمتَرون (8)، ثمّ تحدّى الجاحدين ـ على لسان نبيّه ـ بالمُباهلة، فنكصوا ولم يُباهلوا، وصالحوا رسولَ الله صلّى الله عليه وآله على أن يدفعوا له الجِزية (9).
إخبار القرآن الكريم عن المستقبل مزّق القرآن حجابَ المستقبل، وكان لابدّ له أن يتحدّث عن المستقبل على عدّة مراحل: المرحلة المعاصرة، لكي يعرف أصحاب الرسالة والمؤمنون وغير المؤمنين أنّه الحقّ، ومرحلة المستقبل البعيد؛ لكي يعرف كلّ عصر من العصور التي ستأتي أنّ هذا هو كتاب الله الحقّ. وإذا كان الحديث عمّا سيحدث بعد مئات السنين وآلافها، فإنّ من الواضح أنّه فوق طاقة البشر المحدودة.
نماذج من إنباء القرآن بالمستقبل النبوءة بهزيمة قريش يوم بدر 1. أُنظُر إلى قوله تعالى في سورة القمر سيُهزَمُ الجَمعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُر ، وكان المسلمون حينذاك في مكّة، وكانوا قلّة يخافون أن يَتخطّفهم الناس، حتّى قال عمر بن الخطّاب: كنتُ لا أدري أيّ جمعٍ سيُهزَم! ثمّ جاءت وقعة بدر فهُزم الكفّار وولّوا الأدبار منهزمين، وصَدَق اللهُ وَعْدَه (10). النبوءة بموت أبي لهب كافراً 2. تطلّعْ إلى قوله تعالى تَبّتْ يدا أبي لهبٍ وتبّ * ما أغنى عنه مالُه وما كَسَب * سيَصلى ناراً ذاتَ لهب * وامرأتُه حمّالةَ الحطب * في جِيدِها حَبلٌ من مَسَد (11)، وهو يُنبئ بأنّ أبا لهب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سيموت كافراً فيُعذَّب في النار، ولقد أسلم كثير من المشركين الذين حاربوا الإسلام بكلّ قواهم، كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم، فكيف أمكن التنبّؤ بأنّ أبا لهب بالذات لن يُسلم ولو نفاقاً وحَقْناً لدمه، وأنّه سيموت على كُفره ؟! تصريح القرآن بعجز الناس أن يأتوا للقرآن بِمثْل 3. تأمّل في قول الله تبارك وتعالى وهو يتحدّى العرب بفصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بمثل القرآن، وأن يأتوا بعَشرِ سُوَر من سُوَرِه، ثمّ تحدّاهم أن يأتوا بسورةٍ واحدة، وختم تحدّيه بتصريحه للحقيقة التي بقيت خالدة مدى الدهر لا يأتونَ بمثلهِ ولو كان بعضُهُم لبعضٍ ظَهيراً (12)، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النار (13). النبوءة بهزيمة الفرس وانتصار الروم 4. هاك قوله عزّوجلّ في سورة الروم وهو يُزيل عن قلوب المؤمنين الحزنَ الذي لحقها بسبب هزيمة الروم وانتصار الفُرس، وكانت دولة الفُرس الكافرة قد هَزَمت يومذاك الروم الموحّدين فَيَعِد المؤمنينَ بكلام محفوظ متعبَّد بتلاوته لن يجرؤ ولن يستطيع أحد أن يغيّر فيه، فيقول: آلم * غُلِبَتِ الرومُ * في أدنى الأرضِ وهُم مِن بَعدِ غَلَبِهم سيَغِلبون * في بِضعِ سنين ، (14) ثمّ يُمعن القرآن في التحدّي فيقول وَعْدَ اللهِ لا يُخلِفُ اللهُ وَعْدَه ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون (15). ولقد كذّب الكفّارُ بهذه النبوءة، وراهَن أحدُهم أحدَ الصحابة أن له عشرة من الإبل إن ظهرت الروم على فارس، وأن يدفع الصحابيُّ للكافر عشرة من الإبل إن ظَهرتْ فارس على الروم، فجاء الصحابيّ إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وأخبره ـ وذلك قبل تحريم القمار ـ فأمره النبيّ صلّى الله عليه وآله أن يُخاطره على مائة رأس من الإبل إلى مدّة تسع سنين، ثمّ غَلَبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن، فأخذ الصحابيّ الرهن فتصدّق به بأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله (16). إنباء القرآن بفتح مكّة 4. عاد المسلمون من صلح الحديبية وقد حيل بينهم وبين حجّهم ونُسُكهم، فكانت الكآبة والحزن تَعلوانِ وجوههم، فأنزل الله تعالى إنّا فَتَحْنا لكَ فتحاً مُبيناً (17)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لقد أُنزلت علَيّ آية هي أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها كلّها (18). قال جابر بن عبدالله الأنصاري: ماكنّا نعلم فتح مكّة إلاّ يوم الحديبية، وقال قتادة: نزلت هذه الآية عند مرجع النبيّ صلّى الله عليه وآله من الحديبية، بُشِّر في ذلك الوقت بفتح مكّة (19). ولقد وعد الله تعالى المؤمنين بدخول المسجد الحرام آمنين محلّقين رؤوسهم ومقصّرين لا يخافون، فقال تعالى لَتَدخُلُنّ المسجدَ الحرامَ إن شاء اللهُ آمنين مُحلّقينَ رؤوسَكُم ومُقَصِّرين لا تخافون (20)، فدخل المسلمون مكّة عام الفتح وطافوا وقصّروا رؤوسهم آمنين لا يخشون غير الله تعالى. نبُوءة القرآن بكيفيّة مقتل الوليد بن المغيرة 5. يستكبر الوليد بن المغيرة عدوُّ الإسلام اللدود، ويتمادى في غيّه وعِناده، فيأتي القرآن ويقول سَنَسِمُه على الخُرطوم (21)، أي أنّه سيُصاب بضربة على أنفه تُرْديه، ثمّ يأتي الوليد فيحارب الإسلام يوم بدر، فيُصاب بضربة سيف على أنفه تعجّل به إلى جهنّم، ومَن ـ يا ترى ـ غير علاّم الغيوب بإمكانه أن يجزم بموقع الضربة التي ستُهلك الوليد! الله تعالى يتكفّل بحماية نبيّه 6. أنزل الله تبارك وتعالى على نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وآله يا أيُّها النبيُّ بَلِّغْ ما أُنزلَ إليك مِن ربِّكَ وإن لَم تفعلْ فما بَلَّغْتَ رسالتَهُ واللهُ يَعصمُكَ مِن الناس (22)، فأمره أن ينصب عليّاً عليه السّلام للناس فيُخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يقولوا: حابى ابنَ عمّه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقام بولايته يوم غدير خُمّ، وأخذ بيد عليّ عليه السّلام فقال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه (23). وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُحرَس، حتّى نزلت هذه الآية، فأخرج صلّى الله عليه وآله رأسه من القُبّة فقال لحُرّاسه: أيّها الناس، انصرفوا فقد عَصَمني الله تعالى (24). القرآن يُخبر عن موت أبناء النبيّ صلّى الله عليه وآله 7. أنزل الله عزّوجلّ قوله ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ مِن رجالِكم (25)، وهي آية تتضمّن إنباءً عن الغيب، وإعلاماً من المطّلِع على الغيوب أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لن يكون أبا أحد من الرجال، وأنّه أذا رُزق أولاداً، فإنّ أولاده سيموتون صغاراً قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال. وقد تحقق هذا الإنباء الغيبي، فرُزق النبيّ صلّى الله عليه وآله إبراهيم والقاسم والطاهر، فماتوا صغاراً. وهذه الآية الشريفة لا تتعارض مع آية المباهلة التي سمّى الله تعالى فيها الحسنَين أبناءً لرسول الله صلّى الله عليه وآله. قال تعالى فمَن حاجّكَ فيه مِن بعدِ ما جاءك مِن العِلمِ فقُل تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نبتهلْ فنجعلْ لعنةَ الله على الكاذبين (26). القرآن يأمر النبيّ بالتربّص بالكفّار الذين يتربّصون به 8. لقد قال الكفّار عن النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله إنّه شاعر، ثمّ اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقال أحدهم: احبسوه في وثاق، ثمّ تربّصوا به المنون حتّى يهلك كما هلك مَن قبله من الشعراء: زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم! (27) ثمّ انتظروا موته لينتهي بموته ـ حسب زعمهم ـ الإسلام الذي جاء به، فردّ عليهم الله تبارك وتعالى أم يقولونَ شاعرٌ نَتربّصُ به رَيبَ المنَون * قُل تربَّصوا فإنّي معكم من المتربّصين (28)، ثمّ جاء يوم بدر فنزل العذاب بالسيف على هؤلاء القائلين، وحفظ الله تعالى نبيّه (29). القرآن يكذّب وعود المنافقين لليهود 9. حين وعد المنافقون بزعامة عبدالله بن أبي بن سَلول يهودَ بني قُرَيظة والنَّضير أن ينصروهم ويَخرُجَنِّ معهم إن أُخرجوا منها، فأنزل الله تعالى ألم تَرَ إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانِهِمُ الذينَ كفروا مِن أهلِ الكِتاب لئن أُخِرجتُم لَنَخرجَنّ معكم ولا نُطيعُ فيكم أحداً أبداً ولئن قُوتِلتُم لَنَنصُرنّكُم واللهُ يَشهدُ إنّهم لَكاذبون * لئن أُخرجوا لا يَخرجون معهم ولئن قُوتلوا لا يَنصرونهم ولئن نَصَروهم لَيُوَلُّنَّ الأدبارَ ثمّ لا يُنصرون (30). وفي هذا الإخبار دليل على صحّة النبوة، لأنّه إخبار بالغيوب (31). ثمّ قاتل النبيّ صلّى الله عليه وآله يهود بني قُريظة ويهود بني النَّضير وأخرجهم، فخذلهم المنافقون حين قوتلوا، ولم يخرجوا معهم حين أُخرجوا.
القرآن الكريم والإخبارات العلميّة الإخبار عن كرويّة الأرض أخبر القرآن الكريم عن حقيقةِ كروية الأرض في آيات عديدة، في عصرٍ لم يكن الإنسان فيه لَيُبصر أبعدَ من مدى بصره، ثمّ تطوّر العِلم وزادت إمكانات البشر، فأدرك ـ بعد حين ـ هذه الحقيقة التي صرّحت بها آيات القرآن أيّما تصريح. أ. قال تعالى في سورة يس: لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدرِكَ القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهار (32). وكان العرب يعتقدون أن الليل يسبق النهار، فكان اليوم عند العرب يبدأ بغروب الشمس، بمعنى أنّ شهر رمضان ـ مثلاً ـ يثبت بعد غروب شمس آخر يوم من شهر شعبان، والعيد يثبت بعد غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان، وهكذا.. فردّ القرآن عليهم بحقيقة أن الليل لا يسبق النهار، ذلك لأنّ الليل والنهار يُوجدان على الأرض في وقت واحد، فلا يسبق النهار الليل، ولا يسبق الليل النهار، وهذا لا يتأتّى إلاّ إذا كانت الأرض كرويّة. ولو كانت مسطّحة، لكانت الأرض تواجه الشمس بأجمعها في وقتٍ معين، وتعاكسها في وقتٍ آخر. ب. قوله تعالى والأرضَ مَدَدْناها (33) أي بَسَطناها، ولم يَقُل سبحانه وتعالى: والأرض بسطناها، ومعنى مَدَدناها أنّك أينما تنظر إلى الأرض تراها مبسوطة، وهي مبسوطة أمام البشر جميعاً حيثما كانوا، ولو كانت مسطّحة غير كرويّة لَوَصَل البشر إلى حافّتها، ولما كانت أمام البشر ممدودة ومبسوطة. فالشكل الوحيد للأرض الذي يجعلها مبسوطة ممدودة أمام البشر أينما كان هو أن تكون كرويّة. ج. قوله تعالى فلا أُقسم بربِّ المَشارِقِ والمَغارِب (34)، ومعلوم أنّ الأرض لو كان مبسوطة مسطّحة، لما كان لها أكثر من مشرق واحد ومغرب واحد، لكنّها حيث كانت كرويّة، فإنّ لها مشارق ومغارب كثيرة تبعاً لحركة الأرض ودورانها حول نفسها، فالشمس تشرق في كلّ لحظة على بقعة من بقاع الأرض، وتغرب عن بُقعة أخرى. إخبار القرآن عن حركة الأرض إضافةً إلى إخبار القرآن الكريم عن كرويّة الأرض، فقد سبق العِلم ـ كعادته ـ وأخبر عن حركتها ودورانها. قال تعالى وترى الجبالَ تَحْسَبُها جامدةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحاب (35). فالإنسان كان يحسب ويظنّ أنّ الجبال جامدة، فأخبره علاّم الغيوب أنّ هذه الجبال التي نحسبها جامدةً تتحرّك وتمرّ مرّ السحاب، وجاء تشبيه الجبال بالسحاب لأنّ السحاب إنّما يتحرّك بحركة الرياح وليس له حركة من تلقاء نفسه، والجبال كذلك ليس لها حركة من تلقاء نفسها، بل تتحرّك بحركة الأرض، فأخبر تعالى بهذه الآية الكريمة عن حقيقة حركة الجبال، وعن حقيقة حركة الجبال تبعاً لحركة الأرض. وقد أشار تعالى بقوله « تَحْسَبُها » إلى عدم إحساس البشر بحركة الجبال، لأنّ وضعها ثابت بالنسبة إلى الأرض، وبالنسبة إلى البشر، فيحسبها البشر ثابتة، لكنّ الجبال تتبع الأرض في حركتها ودورانها، فتكون متحركة قياساً إلى شيء آخر يقع خارج الكرة الأرضيّة. إخبار القرآن عن الحركة المتوازية للشمس والقمر أخبر القرآن الكريم عن حقيقةٍ في حركة الشمس والقمر لم يتوصّل إليها العِلم إلاّ مؤخّراً، إذ أخبر في قول الله تبارك وتعالى لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدركَ القمر (36) عن حقيقة أنّ الشمس والقمر يتحرّكان حركة متوازية تجعلهما لا يلتقيان ولا يدرك أحدهما الآخر مهما طالت حركتهما. وإنّ الشمس هي الأصل في دوران الأرض، والأرض هي الأصل في دوران القمر، فالشمس هي التي جعلت الأرض تدور في مدارها، والأرض هي التي جعلت القمر يدور في مداره، فالأرض تابعة للشمس، والقمر تابع للأرض، وليس هناك أكثر ايجازاً لهذه الحقيقة من عبارة لا الشمسُ يَنبغي لها أن تُدرِك القمرَ (37). إخبار القرآن عن مراحل تكوّن الجنين تحدّث القرآن عن مراحل تكوّن الجنين، مُقتحماً في ذلك قضيّة غيبيّة، وسابقاً فيها العِلم عدة قُرون. قال تعالى: ولقد خَلَقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طِين * ثمّ جَعَلناهُ نُطفةً في قَرار مَكين * ثمّ خَلَقنا النُّطفةَ عَلَقَةً فخَلَقنا العَلَقةَ مُضغَة فخَلَقنا المُضغَةَ عِظاماً فكَسَوْنا العِظامَ لحماً ثمّ أنشأناهُ خَلْقاً آخَرَ فتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين (38). الجنين في الأسبوع الأوّل هو نطفة تتكوّن من دم متجمّد تزيد كثافته عن كثافة الدم العادي بقليل، ثمّ تتحوّل تدريجياً إلى رقيقة مستوية لها طبقتان، فثلاث طبقات، ثمّ تتحوّل بعد الأسبوع الرابع إلى عَلَقة، وفي هذه المرحلة يتمّ تكوين الأجهزة المتميّزة للطفل كلاًّ على انفراد. ثمّ يصل الجنين إلى الطور الجنيني المبكّر وتظهر فيه الأجهزة المختلفة على هيئة نتوأت تبرز شيئاً فشيئاً، ثمّ تظهر اليدان والرِّجلان كبراعم. ثمّ يكتمل التكوين الآدمي للجنين في الشهر الثالث، لكنّ العينين تظلاّن مغلقتَين، وهكذا يستمرّ تطوّر الجنين إلى أن يكتمل في الشهر الثامن والتاسع (39). وقد وردت مراحل خلق الجنين في آية قرآنية كريمة أخرى، هي قوله تعالى يا أيّها الناسُ إن كنتم في رَيبٍ من البَعثِ فإنّا خلقناكُم من ترابٍ ثمّ من نُطفةٍ ثمّ من عَلَقةٍ ثمّ من مُضغةٍ مُخَلّقةٍ وغيرِ مخَلّقةٍ لِنُبيِّنَ لكم ونُقِرُّ في الأرحامِ ما نشاء إلى أجَلٍ مسمّى (40). إخبار القرآن عن الصفات الوراثيّة من الأمور الغيبيّة التي أخبر عنها القرآن الكريم: وراثة الجنين للصفات من الأبوَين، قال تعالى: إنّا خَلقنا الإنسانَ من نُطفةٍ أمشاجٍ (41). قال الطبرسي في تفسيره: مَشَجْتَ هذا بهذا: أي خَلَطْتَه، وهو ممشوج ومشيج. والأمشاج: الأخلاط من ماء الرجل وماء المرأة في الرَّحم، فأيّهما علا صاحبه كان الشبه له، عن ابن عبّاس (42). وفي الآية الشريفة إشارة إلى امتزاج الخلايا التناسلية للرجل والمرأة وحصول امتزاج في الصفات الوراثيّة لهما، المحمولة على الكروموسومات، بحيث يمكن علميّاً توقّع الصفات الوراثيّة لأفراد الجيل الأوّل، والجيل الثاني، وهكذا. وتفصيل ذلك في كتب الوراثة (43). إخبار القرآن عن العلاقة بين الإحساس وجِلد البشر من الحقائق العلميّة التي أشار إليها القرآن الكريم ثمّ توصّل إليها العِلم الحديث: حقيقة أنّ الإحساس يتمّ بأعصابٍ موجودة تحت الجلد مباشرة، أي انّ رؤوس الخلايا العصبيّة الواقعة تحت الجلد هي التي تحسّ وتنقل هذا الإحساس إلى الجهاز العصبي، فالدماغ. وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في معرض حديثه عن الكفّار الذين يُعذَّبون في النار، الذين قال الله تبارك وتعالى في شأنهم: كلّما نَضِجَتْ جُلودُهُم بَدّلناهُم جُلُوداً غيرَها لِيذوقوا العذاب (44)، أي أنّ الله عزّوجلّ حدّد حكمة تبديل الجلود بأنّها من أجل أن يذوقوا العذاب، فإذاقة العذاب ـ إذاً ـ محلّها الجلد. القرآن يُخبر عن قلّة الأوكسجين في طبقات الجوّ العُليا أشار القرآن الكريم إلى حقيقة علميّة لم يكتشفها البشر الاّ حين أمكن له أن يرتقي في الجوّ إلى الطبقات العليا، وهي قلّة الأوكسجين في تلك الطبقات حيث يتركّز حوالي نصف كتلة الهواء الجوي في الستّة كيلومترات الأولى فوق الأرض، بينما ينتشر النصف الآخر في الطبقات التي تعلو ذلك. قال تعالى: فمَن يُرِدِ اللهُ أن يَهديَهُ يَشرحْ صدرَه للإسلامِ ومُن يُرِد أن يُضِلَّه يَجعلْ صَدرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كأنّما يَصَّعَّدُ في السماء (45). القرآن يُخبر عن مزايا حليب الأُمّ للرضيع من الأمور التي أشار إليها القرآن الكريم وأكّدها الطبّ الحديث، أهمّية حليب الأمّ لولدها الرضيع. قال تعالى والوالداتُ يُرضِعْنَ أولادَهنّ حَوْلَيْنِ كاملَيْن (46)، نلاحظ أن القرآن الكريم استعمل لفظ « والوالدات » ولم يَقُل « والأمّهات »، قاصداً بذلك أنّ لبن الرضاعة المثالي هو لبن الوالدة وليس لبن المرضعة الأم. وشاءت إرادة الباري الحكيم للطفل أن يتغذّى بلبن الأمّ الذي من ميزاته أنّه معقّم بطبيعته، وأنّه مخزون في حرز متين بعيد عن التلوّث، ومن ميزاته أنّ تركيبه يختلف من وقت لآخر، فتزداد كميّة الدسم فيه ـ على سبيل المثال ـ مع تقدّم الطفل في العمر، ومع ازدياد قدرة معدته على هضم الغذاء الذي يتناوله. وقد حدّد القرآن الكريم فترة حَوْلين كاملين لإرضاع الطفل، ثمّ بعدها أوجب فِطامه، لأنّ لبن الوالدة يصير في هذه الأثناء مائعاً يفتقر إلى الكثير من عناصره المغذية، فلا يعود قادراً على تأمين حاجة الطفل إلى الغذاء، إضافة إلى أنّ هذا الطفل ينبغي ـ وقد أدرك هذه المرحلة ـ أن يعتمد على نفسه في التغذية (47). القرآن الكريم يحذّر من الخمر لأضرارها نهى الله تعالى عِباده عن الخمر، ووصفها بأنّها رِجس من عمل الشيطان وأوصى باجتنابها.. ثمّ جاءت الاكتشافات العلميّة فبيّنت بعض أضرار الخمر، ومنها تسبيبها لأمراض نقص الفيتامينات مثل مرض « البري بري »، وتسبيبها لمرض « البورفيريا »، وإضعافها مناعة غدّة البروستات، وتضرّ الخمر بمعظم أجهزة الجسم الرئيسيّة، وتصل خطورتها إلى درجة إحداثها تليّفاً في الكبد، والتهابات في الجهاز العصبي قد تؤدّي بصاحبها إلى الجنون، كما تسبّب ضعف قوّة الإبصار وعدم وضوح الرؤية، وتُلحق بالكلى أضراراً جسيمة تضعف قدرتها على دفع السموم. وعشرات الأضرار الصحيّة الأخرى، ناهيك عن أضرارها النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية ودورها الكبير في تحطيم عُرى الحياة الأُسريّة (48). حكمة تقليب أصحاب الكهف روى القرآن الكريم قصّة أصحاب الكهف، الفتية الذين آمنوا وهربوا بدينهم وإيمانهم من طُغاة عصرهم، فأنامهم الله تعالى ثلاثة قرون، ثمّ بعثهم ليكونوا عِبرة للأجيال، قال تعالى: وتَحسَبُهم أيقاظاً وهم رُقودٌ ونُقلِّبُهم ذاتَ اليَمينِ وذاتَ الشمال (49). وقد كشف العلم عن الحِكمة المنطوية في تقليب الله تبارك وتعالى أبدانَ هؤلاء الفتية، وبيّن أنّها إجراء احترازيّ من الإصابة بالقُرحة الجلديّة التي تصيب المرضى المصابين بالأمراض المزمنة مثل الشلل، وهي التهاب يحصل في الجلد، وقد يستوعب مساحات كبيرة من الجلد (50). القرآن يكشف عن فوائد العسل أثبتت البحوث الطبّيّة والعلمية وتثبت الآثار الفعّالة للعسل في علاج وشفاء الأمراض الكثيرة، وبخاصّة الأمراض الجلديّة. وقد وردت في القرآن الكريم الإشارة إلى فائدة هذا السائل العجيب، في قوله عزّوجل وأوحى ربُّكَ إلى النَّحلِ أنِ اتّخِذي من الجبالِ بُيوتاً ومن الشجرِ وممّا يَعرِشون * ثُمّ كُلي من كُلِّ الثمراتِ فاسلُكي سُبُلَ ربِّكِ ذُلُلاً يَخرجُ مِن بطونِها شَرابٌ مختلفٌ ألوانُه فيه شِفاءٌ للناس، إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكّرون (51). وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه أوصى بتناول العسل، كما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام وصف العسل لبعض المرضى وعلّل ذلك بكَونه شفاء. وقد أورد الأطبّاء بحوثاً متعددة عن الاستشفاء بالعسل، وبخاصّة في أمراض الجلد، وتوصّلوا إلى أنّ العسل يُساعد إلى حدّ كبير في سرعة التئام الجروح، وخاصّة المتقيّحة والعميقة، وأشار بعضهم إلى أنّ العسل يُعالج تقرّحات الساق المزمنة (52). السماء أو السقف المحفوظ السماء بناء هندسيّ إلهيّ معجز مُقدَّر تقديراً مُحْكماً، وتُحيط السماء سطح كوكب الأرض من جميع الجهات، فالسماء للأرض كالسقف للبيت. وما في السماء الدنيا ( ويُدعى بجوّ السماء ) من طبقات غازيّة ( الغلاف الجوّي حول الأرض ) يعمل على حماية سطح الأرض وحفظه من أضرار تَساقُطِ بقايا الشُّهب والنيازك عليه، قال تعالى: وجَعَلْنا السماءَ سَقفاً محفوظاً (53). ويتألّف الغلاف الجوّي من عدّة طبقات غازيّة تقلّ كثافتها كلّما ابتعدت عن الأرض، ويبلغ سُمك طبقات الغلاف الجوّي نحو 300 كيلومتر، ويقع بعده بناءٌ مُحكم من فضاء لا نهائيّ لا حدّ لاتّساعه، يتألّف من الأتربة الغبار الكونيّ الدقيق الحجم، وتسبح فيه أعداد لا حصر لها من المجرّات والنجوم والكواكب، كلٌّ في مداره الذي اقتضاه المولى المقدِّر تبارك وتعالى. قال تعالى: الذي جَعَل لكمُ الأرضَ فِراشاً والسماءَ بِناءً (54). وتتباعد مجموعات المجرّات بعضها عن بعضها الآخر في الفضاء السماوي الفسيح بمسافات تقاس بآلاف وملايين السنين الضوئيّة، ولها مداراتها التي لا تحيد عنها أبداً، ممّا يمنع من اصطدام بعضها بالبعض الآخر، كما يمنع من سقوطها فوق سطح الأرض، وبذلك صارت السماء بما فيها من بلايين المجرّات والنجوم سقفاً محفوظاً مرفوعاً (55). القرآن وضياء الشمس ونور القمر أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلى حقيقة علميّة في خصوص الشمس والقمر، وهي أنّ الشمس يشعّ منها الضوء والحرارة في الفضاء، أمّا القمر فكوكب مُعتم لا ضياء له من تلقاء نفسه، بل يعكس سطحه ضياء الشمس الساقط عليه فيبدو مُنيراً. قال تعالى: ألم تَرَوا كيف خَلقَ اللهُ سبعَ سماواتٍ طِباقاً * وجعلَ القمرَ فيهنّ نوراً وجعلَ الشمسَ سِراجاً (56)، وقال تعالى: هو الذي جعلَ الشمسَ ضياءً والقمرَ نوراً وقدّرَهُ مَنازلَ (57). وقد اكتشف العلم الحديث أنّ ضوء الشمس ينجم من التفاعلات النوويّة التي تحدث في باطنها، والتي تنبعث منها طاقة هائلة نتيجة تحوّل عنصر الهيدروجين إلى هليوم، وقدّر العلماء أنّ الطاقة المتدفقّة من الشمس تتدفّق عبر ملايين السنين دون أن تتعرّض للفناء (58). حركة الشمس قال الله تبارك وتعالى: والشمسُ تَجري لمستَقَرٍّ لها ذلك تقديرُ العزيزِ العليم (59)، وقال عزّوجلّ وسَخّر الشمسَ والقمرَ كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّى (60)، وقال تعالى وهو الذي خَلقَ الليلَ والنّهارَ والشمسَ والقمرَ كلٌّ في فَلَكٍ يسبحون (61). وقد تبيّن للعلماء أنّ الشمس تتحرّك بنفسها حركة دائريّة حول محورها، وأنّ حركتها المحوريّة هذه تتمّ كلّ 25 يوم ( بينما تدور الأرض حول محورها دورة كاملة كلّ 24 ساعة )، وعلى الرغم من أنّ حركة الشمس في دورانها حول المحور أسرع بكثير من حركة دوران الأرض حول محورها، لكنّ الشمس تستغرق وقتاً أطول في إكمال دورة محوريّة واحدة تبعاً لكبر حجمها الذي يبلغ نحو 300 ألف مِثل لحجم كوكب الأرض. ونظراً لأنّ الشمس وكواكب المجموعة الشمسيّة تمثّل قسماً ضئيلاً جداً من مجرّة « درب التبّانة » ( التي يبلغ سُمك قرصها ما يقرب من عشرة آلاف سنة ضوئيّة )، فإنّ الشمس وكواكبها لها دورة انتقالية حول مركز هذه المجرّة، يُضاف إلى ذلك أنّ المجرّة نفسها لها حركة محورية حول نفسها هي الأخرى، وتسبح بسرعة تصل إلى 515 كيلومتراً في الثانية. وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ حركة النجوم والكواكب ( وهي حركة سريعة جدّاً ) تتمّ في سهولة ويُسر بحيث لا يشعر الإنسان بها، فعبّر عنها بأنّها « جَرْي » و « سباحة »، وأكّد على أنّ هذه الحركة حركة منتظمة مقنّنة بمشيئة الله سبحانه وتعالى (62)؛ قال عزّوجلّ: لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدرك القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهار وكلٌّ في فَلَكٍ يسبحون (63). خَلْق الإنسان من الطين أشار القرآن الكريم في موارد عديدة إلى أنّ الله تبارك وتعالى خلق الإنسان من التراب، ومن الطين ( وهو التراب الممزوج بالماء )، قال تعالى: ومن آياتهِ أن خَلَقَكم من تُرابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون (64)، وقال تعالى ولقد خَلَقنا الإنسانَ من سُلالَةٍ من طين (65). وقد أرجع العِلم الحديث الإنسانَ إلى عناصره الأوّلية، فوجد أنّه يتكوّن من حوالي 22 عنصراً، وأنّ الماء يدخل في تركيب جسم الإنسان بحيث انّه لا يستطيع أن يستمرّ في حياته أكثر من أربعة أيّام بدون ماء، ووجد أيضاً أنّ جميع هذه العناصر التي يتكوّن منها جسم الإنسان موجودة في تراب الأرض (66). ذو القرنَين وصناعة السبائك الحديديّة يحدّثنا القرآن الكريم أنّ ذا القرنَين بلغ في أسفاره في بلاد الشرق قوماً شَكَوَا إليه ما يَلقَون من أذى ( يأجوج ومأجوج )، وسألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّاً، فأمرهم ذو القرنَين أن يجلبوا صخور الحديد، فأتوه بها، فجعلها بين الجبلَين اللذين يفصلان بين أولئك القوم وبين يأجوج ومأجوج، حتّى أصبحت كالسدّ العظيم، ثمّ طلب منهم أن يشعلوا ناراً حامية وينفخوا عليها ( كما يصنع الحدّاد في موقده )، حتّى إذا ذابت قطع الحديد على أثر الحرارة المرتفعة، طلب ذو القرنَين منهم أن يأتوه بصخور القصدير ( ويُدعى بالعربيّة القِطْر )، فحصل من امتزاج الحديد الذائب والنسبة المئويّة القليلة من القصدير سبيكة ذات صلادة عالية عجز قومُ يأجوج ومأجوج عن أن يُحدثوا فيها نقباً، كما عجزوا عن التسلّق فوقها والظهور عليها، قال تعالى في سورة الكهف: حتّى إذا بَلَغ بينَ السدَّينِ وجَدَ مِن دُونِهما قوماً لا يَكادونَ يَفقهون قَولاً * قالوا يا ذا القرنَين إنّ يأجوجَ ومأجوجَ مُفسِدونَ في الأرض فهلْ نَجعلُ لكَ خَرْجاً على أن تجعلَ بيننا وبينهم سَدّاً * قال ما مَكَّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقُوةٍ أجعَلْ بيَنَكم وبَينهم رَدْماً * آتوني زُبُرَ الحديدِ حتّى إذا ساوى بين الصَّدَفَين قال انفُخُوا حتّى إذا جَعلَه ناراً قال آتوني أُفرِغْ عليه قِطْراً * فما اسْطاعوا أن يَظهروه وما استطاعوا له نَقْباً (67). المصدر:مقتطف من شبكة الإمام الرضا