الشيخ محمد بن أحمد الفيفي : إن الناظر إلى حال هذه الجزيرة وإلى عهد قريب وقبل عقود قليلة من الزمن كان الناس يعيشون حالاً من الفقر والجوع ، وشظف العيش ، وقلة ذات اليد مما حدا ببعضهم إلى السفر إلى بعض البلدان المجاورة أو البعيدة بحثاً عن لقمة العيش وبحثا عن مصدر قوت تستقيم به حياتهم ويسدون به رمقهم وينفقونه على من يعولون وكانوا يتكبدون من أجل ذلك المشاقَ والمصاعبَ وفي أسفارهم التعبَ والنصبَ عبر البراري والبحار يواصلون فيه المسير الليل بالنهار ، ثم بعد أن من الله على هذه البلاد بنعمة التوحيد والسنة وقيام هذه الدولة المباركة وفتحت عليها أبواب الأرزاق والخيرات وانعم الله عليها بأنعم عجزنا عن إحصائها .(وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ).
فأصبحت ترد الى هذه البلاد فواكه الصيف والشتاء طوال العام فضلاً عما أخرجه الله من أرض هذه البلاد من الكنوز والخيرات ما انتعش بها اقتصادها وتحسنت به أوضاعها وأصبحت تحاذي به كبار الدول وتنافس به أرقى الأمم والمجتمعات مما جعل الأنظار تلتفت إلى هذه البلاد وجعل القلوب تتهافت إليها فسعوا إلى الحصول على تأشيرات للعيش على هذه الأرض المباركة و الإستفادة من خيراتها قال تعالى(أولم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ).
أردت من هذه المقدمة أخي الكريم أن أذكر نفسي وإياك بمقارنة بين ما كنا عليه في هذه البلاد وبين ما نحن عليه اليوم ولله الحمد والمنة من رغد العيش والأمن من الخوف بعد أن كان الآباء والأجداد يقطعون الفيافي والقفار ويركبون موج البحار بحثا عن الرزق ولقمة العيش وقد يهلكون دونها .
أصبحت بلادنا ولله الحمد هي مهوى أفئدةِ كثيرٍ من العالم طلباً للرزق وامتلأت بيوتُنا بالسائقين والخادمات ومصانعُنا ومؤسساتُنا بأهل المهن والعمال من مختلف الدول والجنسيات ، ولكن بعض الناس لم يقدروا لهذه النعمة قدرها ولم يشكروها حق شكرها فتجبروا وتكبروا وتعاملوا مع تلك الأيدي العاملة بأخلاق ومعاملات لاتليق ببني البشر فضلاً عن كونه مسلماً ينتمي إلى هذا الدين العظيم وإلى هذا الوطن الكريم .
إن كثيراً من العمالة هم ممن باع ما يملك ، وربما رهن داره إن بقي له دار من أجل الحصول على تأشيرة سفرٍ إلى هذه البلاد وربما ودَّع أهله وهو يعدهُم ويمنيهُم بأنه سيرسل إليهم الأموال والهدايا، وجزيل الهبات و العطايا ، وأنَّهُ ستُسَدَدُ ديونهُم وتتحسن معيشتُهم ، وما أن يصلَ إلى هذه البلاد ليبدأ بالعمل وإذا به يفاجأ أن تلك الأحلامَ قد تبددت ، وتلك الآمال قد تحطمت على صخرة كفيل ظالم معاند لا يرقب في عامل أو خادم إلاً ولا ذمةً يُلزمهم بالتوقيع على أوراق وتعهدات مضمونها أنهم استلموا رواتبَهُم وحقوقَهُم كاملةً لمدة سنة أو نحوها وأنه ليست لديهم أيةُ مطالبٍ أو مستحقات يطالبون بها .
ثم يهددهم إذا لم يقبلوا بذلك بأنه سيتم إلغاءُ عقودِهم وإرجاعُهم إلى بلادهم فيضطرُ هؤلاءِ المساكين وتحت قهرِ الحاجةِ ، وعنجهيةِ الظلمِ والإستبداد إلى الرضا بالواقع والتسليم لما آل إليه الحال ، والصبر على ألم الغربة والفراق فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ولكم أيها المسلمون أن تتخيلوا تلك الأسرَ التي يعولها ذلك العامل المُسْتَقْدَم أو تلك الخادمة كيف سيكون حالُهم عندما ينتظرون كلَّ شهرٍ ما تجود به نفس الكفيل على مكفوله من حفنة مالٍ مصحوبةً بمنِّة أو مغلفةً بمذلة ليرسلها إلى أهله فلا يجدون شيئا ، وكم مرةً ستتردد تلك الأسر على عتبات وأبواب البنوك علَّها أن تجد حوالةً تفكُ بها أسرَها من الجوع ، أو تنقذُ بها نفسَها من الهلاك ، والعيشِ في العراء وتحت ضلال الجسور وظلمات الأنفاق ، ودهاليز الخَرِبَات .....؟؟
ألم تعلم أيها الكفيل بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ؟؟ رواه البخاري من حديث ابن عمر .
ألم تعلم أيها المسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن )): واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) .؟؟رواه البخاري وأحمد وزاد (وان كان كافراً)، ويقول عليه الصلاة والسلام (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأ نصرنَّك ولو بعد حين .) صحيح الجامع 117
أما تخشى أن يرفع هذا المظلوم يديه إلى الواحد الأحد بدعوة يكون بها مايسوؤك ؟؟
أهكذا يكون شكر النعم وقد منَّ الله عليك بأن جعلك تُخدَمَ بدل أن تَخْدِمَ وتَأمرَ بدل أن تُؤمر ؟؟؟
ألم تعلم أنه وان خفيت على منظمات حقوق الانسان أفعالُك فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء والله تعالى يتولى الدفاع عنهم قال عليه الصلاة والسلام : قال الله تعالى ( ثلاثةٌ أنا خصمُهم يومَ القيامةِ : رجلٌ أعطى بي ثم غدر ، ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه ، ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجرته )) رواه البخاري .
أيها المسلمون : إن بعض الكفلاء يتعامل مع خادمه أو خادمته أوعامله معاملة تفتقر إلى أدنى مقومات التقدير و الاحترام لحقوقه أو مشاعره التي كفلها الإسلام فضلاً عن النظر إليه بنظرة التنقص والازدراء و الاحتقار ، ولا يبعد أن يكون هذا العملُ المشينُ من الكِبْرِ الذي يَحْرِمُ صاحبَه من دخولِ الجنةِ عافانا الله و إياكم كما جاء في الحديث الشريف ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبرـ قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ـ قال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبرُ بطرُ الحق وغمطُ الناس ) و بطر الحق أي : ردَّه ، وغمط الناس ، أي : إحتقارهم . رواه مسلم من حديث ابن مسعود .
أين أنت أيها المسلم من خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام كما يقول انس رضي الله عنه فخدمت رسول الله في السفر والحضر عشر سنين من مَقْدمه المدينة حتى توفي ما قال لي عن شيءٍ صنعتُه : لم صنعت هذا كذا ؟؟ ولا قال لي لشيءٍ لم أصنعه : ألا صنعت هذا كذا ؟ وكان رسول الله من أحسن الناس خلقاً ، ولا مسست خزاً ولا حريراً ولاشيئاً ألين من كف رسول الله .رواه البخاري .
أيها المسلمون : لقد كَفَلَ الإسلام للخدم والأجراء حقوقَهم وحسنَ معاملتهم وعدمَ تكليفهم مالا يطيقون قال الرسول عليه الصلاة والسلام )إخوانكم خولكم (أي يصلحون الأمور) جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلِّفوهم ما يَغْلِبُهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ) رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( للمَمْلوك طعامُه وكسوتُه ولا يكلَّف من العمل مالا يطيق .) رواه مسلم .
فإياك أخي المسلم أن تحمَّلهم فوق طاقاتهم سواءً في نوع العمل أو في ساعات العمل .
ومن زيادة عناية الإسلام بحسن التعامل معهم ما رواه البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامِه فإن لم يُجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أُكلةً أو أُكلتين فإنه وَلِيَ حَرَّه وعِلاجه) أي: حرَّ طبخِه وصنعِه وإعدادِه.
أخي الكريم إن إعطاءَ الأجير أجرَه وحقَه ليس خلقاً كريماً فحسب بل هو عمل صالح يُتقرب به إلى الله تعالى ، وهو من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها في الدعاء خاصة في تفريج الكرب كما فعل الثلاثةُ الذين انطبقت عليهم الصخرة في حديث الغار حيث قال أحدُهم : ( اللهم إن كنتَ تعلمُ أنه كان لي أجيرٌ عَمِلَ لي على فَرَقٍ من أُرُز فذهب وتركه ، وإني عَمِدت إلى ذلك الفَرَقِ فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً وأنه أتاني يطلب أجره فقلت اعْمُد إلى تلك البقرِ فَسُقْها ، فقال لي : إنما لي عندك فَرَقٌ من أُرُز، فقلت له : اعْمُد إلى تلك البقرِ فإنها من ذلك الفَرَقِ ، فساقها .
فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلك من خشيتك فَفَرِّج عنا ، فانساحت عنهم الصخرة ). رواه البخاري من حديث ابن عمر ,
أيها المسلمون : كم تطالعنا بعضُ الصحفِ بين طياتها ببعض القضايا المؤلمة لبعض الخادمات اللائي يتعرضن لألوان من الهوان وأصناف من التعذيب ترتب من جرائه عاهاتٌ مستديمة وإعاقاتٌ خطيرة الأمرُ الذي لايحتمل السكوت عليه والذي يكشف عن نوعية من البشر هي شياطينٌ في جثمانِ إنسٍ تحمل في جوفها قلوبَ الوحوش ونفوسَ السباع ، لا تعرف للرحمة طريقاً ولا للشفقة سبيلاً، يجدون اللذة في التعذيب ، والنشوة في الايذاء والتنكيل .
ولكن الله يمهل ولا يهمل ، ولا تعجل أخي الكريم فإن من سنن الله الكونية ما أخبر به الصادقُ المصدوقُ عليه الصلاة والسلام بأنه : ( مَنْ لا يرحمُ الناسَ لا يرحمُه الله .) رواه البخاري من حديث جرير بن عبد الله .
وعن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه قال كنتُ أضربُ غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً : ( اعلم أبا مسعود للهُ أقدرُ عليكَ منكَ عليه ) فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسولَ الله هو حرٌ لوجهِ الله ، فقال : ( أما لو لم تفعل للفحتك النار ـ أو قال ـ لمستك النار ) رواه مسلم .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) رواه مسلم.[u][strike]