المشرف وسام النجوم الذهبية
عدد المساهمات : 215 نقاط : 6044 تاريخ التسجيل : 26/12/2009
| موضوع: مثل المعتصم بالسنة و المعرض عنها الأربعاء مارس 31, 2010 3:01 pm | |
|
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ
رواه البخاري و مسلم
الشرح
من صحيح مسلم بشرح النووي
قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإني أنا النذير العريان ) قال العلماء : أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه , وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم , وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم , وهو طليعتهم ورقيبهم . قالوا : وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر , وأغرب وأشنع منظرا , فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو . وقيل : معناه أنا النذير الذي أدركني جيش العدو , فأخذ ثيابي , فأنا أنذركم عريانا .
قوله : ( فالنجاء ) ممدود أي انجوا النجاء أو اطلبوا النجاء . قال القاضي : المعروف في النجاء إذا أفرد المد , وحكى أبو زيد فيه القصر أيضا , فإذا ما كرروه فقالوا : النجاء النجاء ففيه المد والقصر معا .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأدلجوا فانطلقوا على مهلتهم ) أما ( أدلجوا ) فبإسكان الدال , ومعناه ساروا من أول الليل . يقال : أدلجت بإسكان الدال إدلاجا كأكرمت إكراما , والاسم الدلجة بفتح الدال . فإن خرجت من آخر الليل قلت : أدلجت بتشديد الدال أدلج إدلاجا بالتشديد أيضا . والاسم الدلجة بضم الدال . قال ابن قتيبة وغيره : ومنهم من يجيز الوجهين في كل واحد منهما . وأما قوله : ( على مهلتهم ) هكذا هو في جميع نسخ مسلم بضم الميم وإسكان الهاء بتاء بعد اللام . وفي الجمع بين الصحيحين ( مهلهم ) بحذف التاء وفتح الميم والهاء , وهما صحيحان .
قوله : ( فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ) أي استأصلهم .
الشرح : من فتح الباري في شرح صحيح البخاري
قوله ( مثلي ) بفتح الميم والمثلثة , والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب والتفهيم .
قوله ( ما بعثني الله ) العائد محذوف والتقدير بعثني الله به إليكم .
قوله ( أتى قوما ) التنكير فيه للشيوع . قوله ( رأيت الجيش ) بالجيم والشين المعجمة واللام فيه للعهد . قوله ( بعيني ) بالإفراد , وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد , قيل ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقق عنده جميع ما أخبر عنه تحقق من رأى شيئا بعينه لا يعتريه وهم ولا يخالطه شك .
قوله ( وإني أنا النذير العريان ) قال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقيق الخبر . قلت : وسبق إلى ذلك يعقوب ابن السكيت وغيره , وسمي الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري , وأن المرأة كانت من بني كنانة . وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث , لأنه ليس فيها أنه كان عريانا . وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود وكان جار المنذر خشيت على قومها فركبت جملا ولحقت بهم وقالت : أنا النذير العريان . ويقال أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة ورجع إلى اليمن , وقد سقط لحمه وذكر أبو بشر الآمدي أن زنبرا بزاي ونون ساكنة ثم موحدة ابن عمرو الخثعمي كان ناكحا في آل زبيد , فأرادوا أن يغروا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة نفر , فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه . وقال غيره : الأصل فيه أن رجلا لقى جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال : إني رأيت الجيش فسلبوني , فرأوه عريانا فتحققوا صدقه , لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري , فقطعوا بصدقه لهذه القرائن , فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبا لأفهام المخاطيين بما يألفونه ويعرفونه . قلت : ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في " الأمثال " وهو عند أحمد أيضا بسند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات : أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يترايا لهم , فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل لينذر قومه فخشى أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات " . وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث , وهذا كله يدل على أن العريان من التعري وهو المعروف في الرواية , وحكى الخطابي أن محمد بن خالد رواه بالموحدة قال : فإن كان محفوظا فمعناه الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى , يقال رجل عريان أي فصيح اللسان .
قوله ( فالنجاء النجاء ) بالمد فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية وبالقصر فيهما تخفيفا . وهو منصوب على الإغراء , أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب , إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش . قال الطيبي : في كلامه أنواع من التأكيدات أحدها " بعيني " ثانيها قوله " وإني أنا " ثالثها قوله " العريان " لأنه الغاية في قرب العدو , ولأنه الذي يختص في إنذاره بالصدق .
قوله ( فأطاعه طائفة ) كذا فيه بالتذكير لأن المراد بعض القوم .
قوله ( فأدلجوا ) بهمزة قطع ثم سكون أي ساروا أول الليل أو ساروا الليل كله على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة , وإما بالوصل والتشديد على أن المراد به سير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام .
قوله ( على مهلهم ) بفتحتين والمراد به الهينة والسكون , وبفتح أوله وسكون ثانيه الإمهال وليس مرادا هنا , وفي رواية مسلم " على مهلتهم " بزيادة تاء تأنيث , وضبطه النووي بضم الميم وسكون الهاء وفتح اللام .
قوله ( وكذبته طائفة ) قال الطيبي : عبر في الفرقة الأولى بالطاعة وفي الثانية بالتكذيب ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق وبشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان .
قوله ( فصبحهم الجيش ) أي أتاهم صباحا , هذا أصله ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان .
قوله ( فاجتاحهم ) بجيم ثم حاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجرحه إذا استأصلته , والاسم الجائحة وهي الهلاك , وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة , قال الطيبي : شبه صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل وإنذاره بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذاره ومن صدقه . | |
|