المشرف وسام النجوم الذهبية
عدد المساهمات : 215 نقاط : 6044 تاريخ التسجيل : 26/12/2009
| موضوع: مسائل تتعلق بالاجتهاد : الأربعاء مارس 31, 2010 4:23 pm | |
|
مسائل تتعلق بالاجتهاد
المجتهد مأجور
المجتهد مأجور، إن أصاب فله أجران:
أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الصواب، وإن أخطأ فله أجر واحد على اجتهاده، لأننا قدمنا أن الله سبحانه ما ترك الناس سدى، بل شرع لكل فعل من أفعال المكلفين حكماً، ونصب لكل حكم دليل يدل عليه، وطلب من أهل النظر في هذه الأدلة أن ينظروا فيها ليهتدوا إلى حكمه، فمن توافرت فيه أهلية النظر فيها، واجتهد حتى وصل إلى الحكم الذي أداه إليه اجتهاده، لأنه حكم الله حسب ظنه الراجح، والظن الراجح كما قدمنا، كاف في وجوب العمل. ولا يجب على غيره أن يقلده في العمل بما وصل إليه اجتهاده، لأن قول أي إنسان بعد الرسول المعصوم ليس حجة واجباً أتباعه على أي مسلم، وإنما يجوز للعامة الذين ليست لهم ملكة الاجتهاد واستثمار الأحكام من نصوصها، أن يتبعوا المجتهدين ويقلدهم مصداق قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[الأنبياء:7]
الاجتهاد لا يتجزأ
أي انه لا يتصور أن يكون العالم مجتهداً في أحكام الطلاق وغير مجتهد في أحكام البيع، أو مجتهد في أحكام العقوبات، وغير مجتهد في أحكام العبادات، لأن الاجتهاد كما يؤخذ مما قدمناه أهلية وملكة يقتدر بها المجتهد على فهم النصوص واستثمار الأحكام الشرعية منها، واستنباط الحكم فيما لا نص فيه. فمن توافرت فيه شروط الاجتهاد وتكونت له هذه الملكة لا يتصور المدينات دون العقوبات أو في العقوبات دون المدنيات، ولكن لا يتصور أن يكون قادراً على الاجتهاد في هذا الموضوع من الأحكام دون هذا. ولأن عماد المجتهد في اجتهاده فهم المبادئ العامة وروح التشريع التي بثها الشارع في مختلف أحكامه وبني عليه تشريعه. وهذه الروح التشريعية والمبادئ العامة لا تخص باباً دون باب من أبواب الأحكام، وفهمها حق فهمها لا يتم غلا بأقصى ما يستطاع من استقراء الأحكام الشرعية وحكمها في مختلف الأبواب. وقد يكون هادي المجتهد في أحكام الزواج مبدأ أو تعليلاً تقرر في أحكام البيع. فلا يكون مجتهداً إلا إذا كان على علم تام بأحكام القرآن والسنة حتى يصل من مقارنة بعضها ببعض، ومن مبادئها العامة إلى الاستنباط الصحيح.
الاجتهاد لا ينقض بمثله:
فلو مجتهد في واقعة وحكم فيها بالحكم الذي أداه إليه اجتهاده، ثم عرضت عليه صورة من هذه الواقعة فأداه اجتهاده إلى حكم آخر، فإنه لا يجوز له نقض حكمه السابق، كما لا يجوز لمجتهد آخر خالف في اجتهاده أن ينقض حكمه، لأنه ليس الاجتهاد الثاني بأرجح من الأول، ولا اجتهاد أحد المجتهدين أحق أن يتبع من اجتهاد الآخر، لأن نقض الاجتهاد بالاجتهاد يؤدي إلى أن لا يستقر حكم وإلى أن لا تكون للشئ المحكوم به قوة، وفي هذا مشقة وحرج.
وقد ورد أن عمر بن الخطاب قضى في حادثة بقضاء، ثم تغير اجتهاده فلم ينقض ما قضى به أولاً، بل قضى في مثل هذه الحادثة بالحكم الآخر الذي أداه غليه اجتهاده الثاني، وقال: ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. وقد قضى أبو بكر في مسائل وخالفه بعده عمر فيها ولم ينقض حكمه، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يفهم قول عمر بن الخطاب في عهده لبي موسى الأشعري حين ولاه القضاء: ((لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل)).
تغير الفتوى بتغير الزمان أو المكان
تتغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد وقد وقع بسبب الجهل بهذا المبدأ الشرعي غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل
ومن ذلك: سقوط حد السرقة فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسقط القطع في حد السرقة أيام المجاعة وعليه إذا حملت شخصا ما الحاجة على السرقة والناس في مجاعة وشدة. فلا تقطع يده حدا. فهنا تغيرت الفتوى من القطع إلى عدمه لتغير أحوال الناس و عموم البلوى بالمجاعة بينهم.
ومن ذلك جعل صدقة الفطر حسب قوت المخرجين النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان هذا قول جمهور العلماء وهو الصواب الذي لا يقال بغيره إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وان لم يصح فيه الحديث
ومن ذلك حكم جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خليفته أبي بكر وصدرا من خلافة عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: "كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضناه عليهم" فتغيرت الفتوى هما بتغير زمان الناس و أحوالهم و مرادهم بلفظ تكرار الطلاق . فهذه المسألة مما تغيرت الفتوى بها بحسب الأزمنة فالصحابة رأوا أنه من المصلحة لأنهم رأوا مفسدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع . و تغير الحال اليوم فيرى الكثير من العلماء أن المصلة اليوم تقتضي الرجوع إلى اعتبار الطلاق الثلاث طلقة واحدة وهو ما أخذت به مدونة الأسرة المغربية خلافا ما عليه جمهور الأئمة الأربعة.
ومن ذلك موجبات الأيمان والأقارير والنذور المثال الثامن مما تتغير به الفتوى لتغير العرف والعادة موجبات الأيمان والإقرار والنذور وغيرها فمن ذلك ان الحالف اذا حلف لا ركبت دابة وكان في بلد عرفهم في لفظ الدابة الحمار خاصة اختصت يمينه به ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل وإن كان عرفهم في لفظ الدابة الفرس خاصة حملت يمينه عليها دون الحمار وكذلك إن كان الحالف ممن عادته ركوب نوع خاص من الدواب كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدواب فيفتي في كل بلد بحسب عرف أهله ويفتي كل احد بحسب عادته وكذلك إذا حلف لا أكلت رأسا في بلد عادتهم أكل رؤوس الضأن خاصة لم يحنث بأكل رؤوس الطير والسمك ونحوها
ضرورة الاجتهاد في العصر الحديث
عرف العصر الحديث تحولات و مستجدات كبرى في مختلف مجالات الحياة: في الأنفس, و الآفاق: اقتصاديا,و اجتماعيا ,و سياسيا ,و ثقافيا ,و معرفيا, وطبيا,و تقنية ,و عادات, و أعرافا, و عوائد. مما نتج عنها كثير من القضايا الفقهية المتشابكة و المتشعبة التي تحتاج لحلول فقهية خاصة وهذا يقتضي ضرورة الاجتهاد في العصر الحديث لبيان الحكم الشرعي فيها و التكييف الفقهي الصحيح لها مع ضرورة أن يكون ذلك كله مستلهما من مقاصد الشريعة الإسلامية مراعيا ضوابط الاجتهاد المنصوص عليها شرعا و المستنبطة أصوليا سواء كان الاجتهاد فرديا أو جماعيا كالمجامع الفقهية الرسمية و الأهلية المستقلة, و سواء كان الاجتهاد ترجيحا أو إنشاء .
من ذلك الاجتهادات المستجدة كعقد المرابحة والإيجار المفضي إلى التملك و تلقيح البويضة خارج الرحم و الاستنساخ النباتي و الحيواني و البشري لأغراض طبية. و قضايا الشورى و الديمقراطية . و الولاء للإسلام و الدولة القطرية و الجنسية و المواثيق الدولية حربا و سلما و غيرها من المستجدات كثير. .
| |
|