المشرف وسام النجوم الذهبية
عدد المساهمات : 215 نقاط : 6043 تاريخ التسجيل : 26/12/2009
| موضوع: السفسطائيون والفلسفة اليونانية الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 12:46 am | |
|
السوفسطائيون[1] عوامل النشأة بعد فلاسفة المدرسة الطبيعية الثانية، طرأت على المجتمع اليوناني أحداث سياسية أدت إلى تطورات هامة تركت آثارًا سيئة في الحياة الدينية والأخلاقية والسياسية في بلاد اليونان، كان أهم تلك التطورات هو ظهور موجة من الإلحاد تجلَّت في إنكار الآلهة، وأنها لا تستحق التقديس أو العبادة، كما تجلت في الثـورة على الموروثات القديمة المتعارف عليها، والإقبال على كل جديد مستحدث. ونتيجة اختلاف الفلاسفة في بيان أصل العالم، وتناقض أقوالهم في ذلـك حـدث ارتياب لدى الناس، وظهر جماعة من الفلاسفة يوجهون النقد والتشكيك لآراء الفلاسـفة السابقين، ثم اتسعت دائرة النقد والتشكيك لتشمل أمورًا أخرى بجانب النظريات الفلسفية؛ مثل العقائد الدينية وسلوك الإنسان في حياته، وحقائق الأشياء. كذلك لما ظهرت في عصر السوفسطائيين أسباب النزاع والخلافات أمام المحاكم في الجانب السياسي نشأ الجدل والخطابة وفنون الحوار والمحاورة، وأصبح التزود بمثل هذه الأمور ضرورة للتغلب على الخصوم في المناقشات والمحـاورات، ووسـيلة للظهـور والترقي في الحياة السياسية، بغض النظر عن تحري الحق في ذاته أو الوصـول إلـى الصواب. في هذا الجو المشحون بـالتمرد والإلحـاد واتساع دائرة النقد والتشكيك، ظهرت جماعة السوفسطائيين الذين كـانوا مـرآة صـافية انعكست فيها صورة هذا العصر. مذهب السوفسطائي: ذهب السوفسطائيون إلى أنه ليست هناك قضايا عامة تتساوى العقول في إدراكها فالإنسان وحده هو مقياس كل شيء، فما يراه حقًا فهو حق بالنسبة إليه، وما يراه بـاطلًا فهو باطل بالنسبة إليه، بمعنى كان شعار السوفسطائيين: "الإنسان مقياس كل شيء" أو "الحقائق نسبية". ولما كانت الخطابـة من أهم العلوم التي تهيئ الإنسان للنجاح السياسي؛ فقد اختص السوفسـطائيون بتعليمهـا للشباب الأثيني الراغب في الوصول إلى السلطة والمشاركة في السياسة، وكان السوفسطائيون يعلمون الناس بالأجر، وكان كل سوفسطائي قد اختص بعمل معين اشـتهر بـه، وكرَّس حياته ونفسه له. وهكذا هدم السوفسطائيون قواعد الأخلاق، وأنكروا الآلهة بالإضافة إلى إنكارهم حقائق الأشياء، وقالوا لا وجود لها إلا في الخيال، وهكذا صار الأمر فوضـى وأصـبح الناس أحزابًا متفرقة في آرائها. أشهر فلاسفة السوفسطائيين: 1 ـ بروتاجوراس (484 ـ 410 ق.م)[2]: يعد بروتاجوراس من أشهر الفلاسفة السوفسطائيين، وتعد آراؤه مصدرًا لمذهب هـؤلاء الفلاسفة، وقد ألف بروتاجوراس كتابًا بعنوان "الحقيقة"، شكك فيه في وجود الآلهة، واعتبر الإنسان مقياس الأشياء جميعًا، ولكون الناس كثيرين فإن إحساسـات النـاس متعددة ومتناقضة أحيانًا، والحواس هي وسيلة الإدراك الوحيدة ومالا يدرك بهـا فلـيس موجودًا. ومما جاء في كتابه قوله: ( لا أستطيع أن أعلم إن كانـت الآلهـة موجـودة أم غيـر موجودة، فإن أمورًا كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم، أخصَّها غموض المسألة وقصـر الحياة ). ومن أقواله أيضًا: ( المعرفة نسبية وليست مطلقة، وان لكل قضية جانبين يناقض أحدُهما الآخر، ولا شيء أصدق من شيء، لكنه قد يكون أفضل منه بالقياس إلى منظور الفرد ). أراؤه الفلسفية: 1. إن الحقيقة المطلقة غير موجودة، لأن الحقائق تتعدد بتعـدد الأشـخاص واخـتلاف أحوالهم. 2. يمتنع وقوع الخطأ، لأنه يمكن أن نتصور في شيء ما خلاف ما نتصوره عليه فـي وقت ما، فالحق يتعدد. 3. إن الفرد مقياس الخير والشر والعدل والظلم. 2 ـ جورجياس (375 -480 ق .م): ألف جورجياس كتابًا باسم "اللاوجود" أثار فيه جملة مزاعم، ومن أقواله أنه: ( لايوجد شيء، وإذا كان هناك شيء، فإن الانسان قاصر عن إدراكه، وإذا افترضنا أن الانسان أدرك ذلك الشيء؛ فإنه لا يستطيع إبلاغه إلى الآخرين ). فرق السفسطائية: والسفسطائيون يمكن القول بأنهم يندرجون جميعًا تحت ثلاث فرق: 1- اللاأدرية ( Agnosticism ): وهم يؤمنون باستحالة التعرف على وجود الله، والتوصل لهذا الإيمان ضمن شروط الحياة الإنسانية، ومن أقوالهم: ( نحن شاكون وشاكون، فيَّ أنا شاكون )، وهؤلاء هم الشكَّاك في الحقائق. 2- العنادية: وهم الذين يقولون ما من قضية بديهية أو نظريـة إلا ولهـا معارضـة أو مقاومة لمثلها في القوة والقبول عند الأذهان. 3- العِندية: وسموا بذلك لأنهم يرون أن الحقائق حق عند من عنده حق، وهـي باطـل عند من عنده باطل، وأن مذهب كل قوم حق بالقياس إليهم، وباطل بالقيـاس إلـى خصومهم، وقد يكون طرفًا النقيضين حقًا بالقياس إلى شخصين، وليس فـي نفـس الأمر شيء بحق. يقول الشيخ أحمد شاهين: ( السوفسطائيون ثلاثة أقسام؛ العِندية، والعنادية، واللاأدرية: فالعندية ترى أن حقائق الأشياء تابعة لعقائد المؤمنين بها لأنهم أقيسة الحقائق، والعنادية تجزم بأن لا حقائق في الكون؛ لا في ذاتها ولا بالقياس إلى المؤمنين بها، وأما اللاأدرية فهي التي تتوقف عن الحكم في كل شيء؛ فهي لا تجزم بوجود ولا بعدم ). ويقول الشيخ عبد القادر بدران: ( وهم فرقٌ ثلاث: إحداهن اللاأدرية: سموا بذلك لأنهم يقولون: لا نعرف ثبوت شيء من الموجودات ولا انتفاءه، بل نحن متوقفون في ذلك. الثانية: تسمي العنادية نسبة إلى العناد؛ لأنهم عاندوا فقالوا لا موجود أصلاً وعُمدَتهم ضرب المذاهب بعضها ببعض، والقدح في كل مذهب بالإشكالات المتجهة عليه من غير أهله. الثالثة: تسمى العندية نسبة إلى لفظ "عند"؛ لأنهم يقولون أحكام الأشياء تابعة لاعتقادات الناس، فكل من اعتقد شيئًا فهو في الحقيقة كما هو عنده وفي اعتقاده ). وقد ظهر فلاسفة نصبَّوا أنفسهم لمعارضة السوفسطائيين وبيان ضلالهم، ومـن هؤلاء الفيلسوف اليوناني سقراط، الذي ذاع صيته واشتهرت فلسفته. وهذا ما نستهل به في المقال القادم الهوامش: [1]السوفسطائي: هو المتحكم الذي يـذكر وجـوه المغالطـات، وكيفيـة التحـرز منهـا، والسوفسطائيون هم الذين لا يثبتون حقائق الأشياء، والسوفسطائيون مشتقة من كلمة (سوفيست)، وهي تدل في اليونانية على المعلم، والسفسطة كانت تعنى ـ فى ابتداء الأمر ـ تعلُّم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة، وأصبحت مرادفة لكلمتى التضليل والخداع. [2] ولد بروتاجوراس في مدينة أبديرا حوالي عام 480 ق.م، ولقد طاف في أنحاء اليونان ثم استقر به المقام في أثينا، ووضع كتابًا بعنوان "الحقيقة"، وقد أتُهم بروتاجوراس بالإلحاد، وحكم عليه بالإعدام، وأحرقت كتبـه علنـًا ففـر هاربًا، ومات غرقًا أثناء فراره سنة 410 ق.م. | |
|