المشرف وسام النجوم الذهبية
عدد المساهمات : 215 نقاط : 6050 تاريخ التسجيل : 26/12/2009
| موضوع: حول نظريات الحكم الإثنين ديسمبر 13, 2010 1:15 am | |
|
حول نظريات الحكم أزراج عمر
لقد تعددت النظريات السياسية في الفكر الحديث والمعاصر، وهناك وجهة نظر تؤكد بأن لكل دولة خصوصيتها وفرادتها، ويعني هذا أن النظرية الجاهزة مهما تكن مرنة لا تصلح دائما كنموذج وكقالب مغلق، فالإجتهادات الفكرية تنزع إلى التوضيح بأن النظرية يمكن أن تفيد التجار ذات الخصوصية وذلك ما سوف أنظر فيه الآن.
يعتبر مفهوم الديمقراطية أكثر المفاهيم رواجا في المناقشات السياسية على المستوى المحلي لبلداننا وعلى المستوى الدولي الشامل؛ ولكن المرء يلاحظ أن النظرية الديمقراطية ببلداننا غير مستوية أو ناضجة وذلك لعدة أسباب وفي صدارتها عدم نضج التجربة الفكرية والسياسية في العالم العربي- الإسلامي، وندرة المؤسسات والبنيات المشكلة على أسس نظرية نابعة من واقعنا الخاص بنا.
نظريات الديمقراطية
وفي هذا المقال سأحاول أن أقدم مجموعة من الأفكار المتعلقة بنظرية، أو لنقل بنظريات الديمقراطية التي يؤسس لها في الغرب وأوروبا. وسأبدأ بإلقاء نظرة على كتاب من تحرير المفكرة السياسية المعروفة شنتال موف الذي يحمل عنوان "أبعاد الديمقراطية الراديكالية". وقد شارك في إنجاز الدراسات والمقالات التي تضمنها هذا الكتاب عدد من المفكرين والمفكرات وكلهم غربيون وأذكر منهم جان لوكا، وبراين تورنر، وسلافوج جيجيك، إلى جانب شنتال موف وآخرين.
يحاول هذا الكتاب الجماعي أن يدرس قضايا التعددية والمواطنة والمجتمع من جهة نظر اليسار الأوروبي الجديد الذي يبحث عن إمكانية صياغة تركيبة نظرية فكرية تجمع بين منجزات الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية والأفكار الاشتراكية الأكثر تقدمية وطليعية لتجاوز مأزق التراجعات الحاصلة في الساحة الفكرية النظرية وعلى مستوى التطبيقات الميدانية في أوروبا والغرب.
تؤكد شنتال موف في المقدمة التي خصصتها للكتاب المذكور سابقا بأن "الذين يرفضون حقا الرأسمالية الليبرالية الديمقراطية كنهاية للتاريخ" هم بالمقابل "يرون بأن البديل يتمثل فقط في الديمقراطية الراديكالية". بالنسبة لـ"موف" فإن هدف اليسار ينبغي أن يكون توسيع وتعميق الثورة الديمقراطية التي تمت المبادرة بها منذ قرنين سالفين"، وتقترح أن يكون هذا المنظور لرفع الليبرالية الديمقراطية واستبدالها بشكل جديد من المجتمع على نحو كلي".
نظرا إلى ما تقدم فإن شنتال موف لا تدعو إلى قطيعة دراماتيكية مع الديمقراطية الليبرالية، إنما تؤكد على ضرورة التعمق في فهم بعض منجزاتها مثل الحرية الفردية، والتعددية الحزبية، والتعددية الثقافية والدينية والتداول على الحكم عن طريق الانتخابات الشفافة، وبالتالي تلحيم هذه المنجزات بمضامين الديمقراطية الاشتراكية غير المتمركزة على الحزب الواحد، أو الإيديولوجية الدوغمائية "العقيدية".
كما نفهم في السياق النظري الذي تحاول الدفاع عنه، فإن شنتال موف تركز على أهمية إيجاد تركيبة تكون حصيلة لدمج العناصر الأكثر ديمقراطية في النظرية الليبرالية وفي النظرية الاشتراكية، وتكتسي نظرية الديمقراطية الجذرية "الراديكالية".
الديمقراطية الراديكالية
كما تحاول موف أن تبني معالمها وأسسها الفكرية بمعية المفكر الأرجنتيني "آرنست لاكلو" الذي اشترك معها في تأليف كتاب مؤثر يحمل عنوان "الهيمنة والإستراتيجية الاجتماعية: نحو سياسات ديمقراطية راديكالية، 1985"، أهمية خاصة، فما هي هذه الديمقراطية الراديكالية؟ وما مدى اختلافها عن الأشكال الديمقراطية الأخرى؟
قبل توضيح المفهوم أو المصطلح أريد الإشارة إلى المنهج الذي يقترحه هذان المفكران على اليسار الأوروبي- الغربي الجديد: "إن مهمة اليسار لا يمكن أن تكون نبذ الإيديولوجية الليبرالية، وبالعكس فالمطلوب هو تعميقها وتوسيعها على طريق بناء الديمقراطية "الراديكالية" التي تؤمن بالتعددية. إن هذا يعني عدم فك الارتباط كلية بالليبرالية الديمقراطية.
ومن هنا فإن موف تحدد مفهوم الديمقراطية الراديكالية على أنه: "تجذير ديمقراطية أكثر عمقا وعلى نحو أبعد للمؤسسات الليبرالية الديمقراطية. وتستند موف إلى تحليلات وتحديد الدارس نور برتو بوبيو الذي يرى بأن المؤسسات السياسية الليبرالية ينبغي أن تكون العناصر الضرورية لأي عملية ديمقراطية، كما أن "الأهداف الاجتماعية يمكن تحقيقها فقط وعلى نحو مقبول داخل الإطار الديمقراطي اللبيرالي".
وتحدد موف الديمقراطية الراديكالية بشكل أكثر وضوحا بقولها بأن هذا المشروع "يمكن إنجازه بتجذير وتعميق الثورة الديمقراطية وتوسيع وتمديد المثل الديمقراطية، كالحرية والمساواة للحياة الاجتماعية أكثر فأكثر، وبهذا الخصوص فإن تنظيرات "موف" تلح على ضرورة استبعاد الاختزالية والجوهرانية المسيطرتين على تأويلات الاشتراكية. وبوضوح أكثر فإن موف تعرف المشروع الديمقراطي الجذري الذي تدعو إليه على أنه، من حيث التحديد النظري، هو بالتمام والكمال "الديمقراطية الليبرالية الجذرية"..
مما لا شك فيه أن هذا التحديد الذي تقدمه لنا هذه المفكرة التي تصدر عن برنامج اليسار الأوروبي- الغربي الجديد يأخذ بعين الاعتبار حقوق الإثنيات والحركات الداعية إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية واستقلالية المرأة اقتصاديا دون أن يؤدي ذلك إلى زعزعة البنية الأسرية، أو يؤدي إلى إشعال حرب المواقع وحرب المناورات بين الجنسين. إلى جانب ذلك فإن الراديكالية التي تلحق بالديمقراطية تعني أساسا تكريس التعددية السياسية والثقافية، وفصل الدين عن الدولة بما يجعل كلاّ منهما يتمتع بمجاله الحركي ضمن إطار فضاء الحرية. وأكثر من ذلك فإن الديمقراطية الراديكالية هذه تنطلق من أساس نظري تعددي لخدمة غايات تقسيم السلطات، أي عدم مركزتها، والحد من سلطة الدولة.
وألخّص بأن موف تدعو إلى مغادرة الأوهام القديمة التي تحاجج بأن الاجتماع الكلي والكامل وأن الإرادة الجماعية والمتناغمة غير قابلة للنقاش، وأنها أمر واقع وسابق لكل تجربة. وانطلاقا من هذه الأرضية فإن موف تلح على ضرورة "القبول بديمومة الصراع والخصام"، ليس بمعنى التطاحن السلبي، إنما بمعنى الجدل "الديالكتيك" المحرك للتاريخ، وهو الظاهرة الصحية التي ينبغي الاعتراف بها.
في مقال نشرته عام 1990 على صفحات "سوشيال ريفيو"، تحت عنوان "ديمقراطية جذرية أم ديمقراطية ليبرالية"، عادت شنتال موف إلى نظريات المفكر الألماني المعروف كارل سكميت التي طورها في عدد من مؤلفاته، منها "أزمة الديمقراطية البرلمانية" و"مفهوم السياسي"، لتناقشها.
بهذا الصدد تفتح الجدال معه مبرزة أن "الأساس الفكري لليبرالية عنده يكمن "في علاقته الخاصة بالحقيقة، التي تصبح مجرد وظيفة المنافسة الأبدية للأداء". فالمفكر الألماني ينتقد بقوة هذا النمط عن المنافسة الشكلية، ويرى أيضا أن الديمقراطية بمثابة "هوية الحكام والمحكومين". والحال فإنه عندما تتحول الديمقراطية إلى هوية يشترك فيها الحكام والمحكومون فإن شكلية المنافسة الكلامية تفقد بريقها، ويوضع محلها للنقاش الجدي حول تطوير الأفكار الديمقراطية والإبداع في المنافسة على ممارستها وتطبيقها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، أي تكريسها على نحو خلاق فكريا وامبريقيا.
نقد الديمقراطية الراديكالية
على أية حال فإن تمسك "موف" ببعض منجزات الديمقراطية الليبرالية لم يمنعها من نقد جوانب النقض فيها، كعدم قدرتها على توفير حلول لمشاكل التهميش والمهمشين. فالفرد في ظل المؤسسات الإيديولوجية الليبرالية يملك حرية المعارضة ولكنه لا يملك حق تغيير المفاهيم والبنيات التي تفرز علاقات القوة والتبعية.
إن الفرد في هذا المناخ الليبرالي الديمقراطي قادر على ممارسة الحق الانتخابي وحق الكلام، ولكنه يفعل ذلك خارج أطر البنيات المفروضة عليه من قبل المجتمع السياسي التمثيلي، ومن قبل أصحاب رؤوس الأموال. كما أن الليبرالية الديمقراطية لم تفلح في تشييد جهاز فكري وإيديولوجي، ومؤسسات تحمي المواطنة، وحقوق الإثنيات، والسيادة الشخصية.
على أية حال، فإن المفكرة شنتال موف ترفض تكرار أخطاء الإيديولوجيات الشمولية، والسرديات الكبرى، وهذا في حد ذاته مرحب به، ولكن النقد الذي أوجهه لنظريتها الموسومة بالديمقراطية الراديكالية يمكن أن ألخصه في مجموعة من النقاط التالية:
1- إن الديمقراطية الليبرالية تقدم نفسها على أنها ذات طابع إنساني كوني، خاصة عندما تتخذ حرية الفرد كغاية وكوسيلة للتقدم". ولكن موف لا تكشف بالنقد التمركز الأوروبي- الغربي لمفهوم الفرد في نظرية الليبرالية الديمقراطية، لأن الفرد الآخر، بصيغة الجمع المتمثل في واقع سكان المستعمرات "سابقا"، لم ينل مقدارا من الحرية المادية أو الذاتية أو الرمزية "الثقافية والروحية" في ظل الاحتلال وفي ظل علاقات السيطرة في مرحلة ما بعد الاستعمار.
2- إن نظرية الحرية الفردية في ظل الليبرالية الديمقراطية تسقط أيضا إذا أخذنا فائض القيمة معيارا، حيث يذهب هذا الفائض في الغالب إلى جيوب أصحاب الرأسمال.
هنالك نقاط أخرى بحاجة إلى المعالجة والتحليل قد أعود إليها في فرصة أخرى.
| |
|