المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو اقتُصِر على هذه العبارة لشمل جميع ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من القول، أو الفعل، أو التقرير، أو الصفة الخلْقية أو الخلُقية، كل هذا من المرفوع، لكن لما قيد هنا بالقول والفعل لم يستتم المعنى؛ لأن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا يعتبر من المرفوع.
ولهذا أورده أصحاب الصحاح في كتبهم؛ لأنها كتب متصلة مسندة، والمسند يجمع بين الرفع والاتصال، أو يجمع بين الرفع ورواية الحديث بالسند على ما يأتي، ففيه الشاهد أن في الإسناد رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأهل هذه الصحاح كتبهم مسندة، ولهذا أدخلوا ما كان من باب التقرير، وما كان من باب الصفة الخلْقية والخلُقية له صلى الله عليه وسلم.
أما الأحاديث القولية المسندة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهي كثيرة جدًا، وكذلك الأحاديث الفعلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حكى الصحابي فعلا، كما حكى الصحابي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يشير بيده إذا سلم عليه أحد وهو في الصلاة، هذه حكاية فعل من النبي -عليه الصلاة والسلام.
أو كان إذا دخل عليه علي -رضي الله عنه- يصلي تنحنح، هذه حكاية فعل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي تسمى حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والتقرير: مثل إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل الضب على مائدته، هذا لو كان حرامًا لنهى عنه -صلى الله عليه وسلم.
وأيضًا الصفة الخلْقية لحديث أنس: كان صلى الله عليه وسلم- ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير .
هذا صفة لخلْق النبي -عليه الصلاة والسلام.
فهو داخل في المرفوع، ولهذا أورده أصحاب الصحاح، وكتبهم مسندة مشتملة على المرفوع.
وكذلك حديث عائشة: كان خلقه القرآن .
هذا متعلق بالصفة الخلُقية له -صلى الله عليه وسلم-، فهو مرفوع.
فصار الفارق بين المرفوع والموقوف أن المرفوع لا يطلق إلا على ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما الموقوف فهو يطلق على ما أضيف إلى الصحابي.
فإذا قالوا: موقوف. فالمراد به إضافته إلى الصحابي، لكن إذا أرادوا التابعي قالوا: موقوف على فلان، موقوف على الشعبي، يصح أن يطلق عليه موقوف، فهو موقوف على الشعبي، موقوف على الزهري، موقوف على قتادة، موقوف على ابن سيرين، هذا يسمى موقوفًا، لكنه مقيد باسم التابعي.
فالموقوف إذا أطلق ينصرف إلى الوقف على الصحابي، وإذا أريد وقفه على التابعي فإنه يقيد بذكر التابعي.
وأما المقطوع فإن المؤلف له يورده هذا، وقد أورده ابن الصلاح، وهو أصل الكتاب، وأورده مختصرا في الكتاب لابن دقيق في الاقتراح، والمؤلف ها هنا اختصر الاقتراح، ولكنه لم يذكر المقطوع؛ لأن الظاهر أن كتابه هذا كتاب مختصر، فلعدم شدة الحاجة إلى المقطوع لم يذكره ها هنا؛ لأن دائمًا الاختلاف بين الأحاديث إنما هي في جهة الوقف والرفع، الاختلاف في جهة الوقف والرفع، أما من جهة القطع والرفع فهي أقل.
فنظرا لكثرة الحاجة إلى هذين النوعين عرفهما المؤلف، ولما كان كتابه مختصرًا لعله لم يذكر المقطوع ها هنا، لعدم شدة الحاجة إليه كما تشتد الحاجة إلى المرفوع، ثم إلى الموقوف على الصحابي.
فتبين بذلك أن عندنا ثلاثة أنواع مما يتعلق بمتن المرفوع والموقوف والمقطوع الذي لم يذكره المؤلف.
وهذه الثلاثة أشياء إذا أردنا أن نربطها بما تقدم من الأنواع، فالمرفوع تأتي عليه الأنواع السابقة كلها، ففيه مرفوع صحيح، فيه مرفوع حسن، فيه مرفوع ضعيف، فيه مرفوع ضعيف جدًا، وفيه موضوع، وفيه -أيضًا- مطروح اللي هو الضعيف جدًا، وفيه أيضًا مرسل؛ لأنه ليس من شرط الحديث المرفوع أن يكون الرافع، أو المضيف، أو الذي أضاف هذا الحديث، ليس من شرطه أن يكون الصحابي؛ بل إذا أضاف التابعي أو تابع التابعي الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنا نسميه مرفوعًا.
فإذا أضاف الشعبي حديثًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا نسميه مرسلًا مرفوعًا، مرسلا باعتبار الانقطاع بين الصحابي والنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومرفوعًا باعتبار إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأحيانًا يكون معضلًا، فإذا قال ابن جريج: قال -صلى الله عليه وسلم- هذا نسميه مرفوعًا، لوجود الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونسميه معضلًا؛ لأن هناك راويين ساقطين بين ابن جريج والنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو معضل مرسل، وكذلك بالنسبة للمنقطع.
وكذلك أيضًا بالنسبة للموقوف، الموقوف تدخل فيه هذه الأنواع كلها، إلا المرسل، أو إلا المعضل -على رأي جماعة من أهل العلم- أنه لا يكون إلا سقوط الصحابي والتابعي، فالمرسل ها هنا هل يدخل مع الموقوف؟
لا، لأن المرسل هو ما أضافه التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلو أضاف التابعي الذي لم يدرك الصحابي، لو قال إبراهيم النخعي: قال علي بن أبي طالب، فهذا ما نسميه مرسلًا، نسميه منقطعًا لانقطاع بين إبراهيم.
إذن هؤلاء لا يدخل المرسل لا يكون -يعني- الموقوف مرسلًا، يكون منقطعًا، ويكون معضلا على رأي جماعة كبيرة من أهل العلم، وتشمله الأنواع السابقة من الصحة والضعف، والحسن والضعف الشديد، والموضوع، فقد يكون موقوفًا موضوعًا، وقد يكون صحيحًا، وقد يكون ما بين ذلك.
وأما المقطوع فهو أيضًا مثل الموقوف في شمول هذه الأنواع له وعدم شمولها، فما ينطبق على الموقوف من هذه الأنواع، أو يجامع الموقوف من هذه الأنواع، فهو يجامع المقطوع، وما ينافيه أو لا يجتمع معه فإنه لا يجتمع الموقوف، فإنه كذلك لا يجتمع مع المقطوع، وبهذا تمت هذه الأنواع، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.