منــتديــات أبـــــواب المعرفة للتعلــــيم الأصيـــــــل
عــزيـزي الــزائر / عـزيـزتــي الـزائــرة يـرجــي الـتكـــرم بتسـجـبــل الـدخــول اذا كـنـت عضــوا معـنــا أوالـتسـجيــل ان لـم تـكــن عضــو وتـرغــب فـي الانـضـمــام الـي منــتديــات أبـــــواب المعــرفـة للتعلــــيـم الأصيـــــــل
سـنتـشــرف بانـضـمامــك الـينــا
ادارةالمنتدى
منــتديــات أبـــــواب المعرفة للتعلــــيم الأصيـــــــل
عــزيـزي الــزائر / عـزيـزتــي الـزائــرة يـرجــي الـتكـــرم بتسـجـبــل الـدخــول اذا كـنـت عضــوا معـنــا أوالـتسـجيــل ان لـم تـكــن عضــو وتـرغــب فـي الانـضـمــام الـي منــتديــات أبـــــواب المعــرفـة للتعلــــيـم الأصيـــــــل
سـنتـشــرف بانـضـمامــك الـينــا
ادارةالمنتدى
منــتديــات أبـــــواب المعرفة للتعلــــيم الأصيـــــــل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل وعدت إلى تصحيح أول منزل،غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد لغزلي نساجا فكسرت مغزلي . (الغزالي)
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القراءات القرآنية من الوجهة البلاغية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المشرف
وسام النجوم الذهبية
وسام النجوم الذهبية
المشرف


ذكر
عدد المساهمات : 215
نقاط : 6044
تاريخ التسجيل : 26/12/2009

القراءات القرآنية  من الوجهة البلاغية Empty
مُساهمةموضوع: القراءات القرآنية من الوجهة البلاغية   القراءات القرآنية  من الوجهة البلاغية Icon_minitime1الجمعة فبراير 26, 2010 2:11 pm

8)


بقلم : أ.د. فضل حسن عباس
أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية/ جامعة اليرموك

أراد بعض النحويين -وقد جعلوا من قواعدهم أصولاً لا ينبغي أن تخالف- أن يخضعوا القراءات المتواترة لأصولهم وقواعدهم، فإذا رأوا قراءة تتعارض مع هذه القواعد والأصول، ردّوها أو حكموا عليها بالضعف. ومن توفيق الله ومن حسن الحظ أنهم لم يجمعوا على قاعدة، فما يراه البصريون ملزماً ينقضه الكوفيون، وما يرتئيه الأخفش لا يجيزه غيره. ومن رحمة الله أن هيّأَ لهذه القراءات من يذبّ عن قدسيتها، ويدافع عن حماها. وكان هؤلاء الذابّون المدافعون فئات كثيرة منهم المفسرون والمتكلمون والأصوليون، بل وجدنا من اللغويين والنحويين أنفسهم من ينبري لهذا الواجب.
ولم تقتصر اعتراضات المعترضين على القضايا الإعرابية، بل وجدناها تتعدى ذلك إلى اللهجات والأمور اللغوية المتعلقة بمتن اللغة كذلك. وأمام كل هذه الشقشقات وجدنا الأئمة ينبرون لرد هذه التخرصات. وصار ذلك ديدن العلماء فيما بعد، أن يذبوا عن هذه القراءات. وإذا كان بعض النحاة اقتحموا أسوار قدسية القراءات المتواترة، من حيث القواعد النحوية واللغوية، فإننا قد وجدنا بعض الأئمة يقتحم أسوار هذه القدسية، ولكن من جانب آخر، ذلك هو جانب المعنى، فقد تصح عنده القراءة من حيث اللغة والنحو ولكنها لا تصح من حيث المعنى، ولحسن الحظ فإن هذا الصنف من الناس لم يبلغ من الكثرة ما بلغه الصنف الأول. وكان جلّ ما كتبه العلماء منصبّاً على الناحية الأولى، وهي الدفاع عن القراءات لغة ونحواً. حتى المحدثون من ذوي الغيرة على هذا الكتاب وقراءاته المتواترة كانت عنايتهم بهذه الجهة كذلك.
هذا كله جعلني منساقاً برغبة ملحة أن أخوض غمار هذا الموضوع الشاق الشائق، محاولاً أن أجلي ما استطعت، وأبرز دقة هذه القراءات وإحكامها من حيث معانيها وغاياتها.
وإذا كانت الأحرف السبعة كما يرى كثير من العلماء قد اشتملت عليها المصاحف العثمانية، وكان ما لا يحتمله الرسم موزعاً على هذه المصاحف، إذا كان الأمر كذلك فإن إعجاز هذا القرآن لا بد أن يكون في هذه القراءات جميعها، فليست قراءة أَولى بهذا الإعجاز من قراءة ما دام الكل متواتراً وما دام الكل قرآناً من عند الله.
وقد رأيت أن أتتبع بعض أوجه الخلاف التي فسرت بها الأحرف السبعة عند الجمهور، كالاختلاف من حيث الحروف والتنقيط، ومن حيث الحركات والإعراب، ومن حيث الحذف والذكر. مراعياً الإيجاز والاختصار.
- قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) (البقرة: 51): قرأ أبو عمرو بن العلاء البصري: (وعدنا) بدون ألف، وقرأها الباقون بألف (واعدنا).
وقراءة الجمهور فيها معنى المفاعلة، فالمواعدة تكون بين اثنين، فهناك وعد من الله لموسى بإعطائه التوراة، ووعد من موسى بالتنفيذ والالتزام والحضور. أما قراءة أبي عمرو فإنها تدل على أن الوعد كان من الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام، فهو من جهة واحدة، فإذا كانت قراءة الجمهور دالة على ما كان يطمح إليه كليم الله تبارك وتعالى من فرحة اللقاء، ونور المؤانسة التي ذاق حلاوتها من قبل وهو عائد من مدين حينما خوطب: (إني أنا ربك)، وحين سئل: (وما تلك بيمينك يا موسى) فأطال القول: (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) (طه: 18). أقول إذا كانت قراءة الجمهور دالة على ذلك كله فإن قراءة أبي عمرو تدل على أن الوعد كان فيه إكرام وتكليف لموسى عليه السلام.
- ولنتدبر ما قصّه علينا القرآن حديثاً عن نوح عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) (هود: 28)، وقوله سبحانه: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين . فَعَمِيَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) (القصص: 65-66). فلقد تعددت القراءات في الآية الأولى، فقرأ حفص وحمزة والكسائي (فعمّيت) بالتشديد على بناء الفعل للمفعول، وقرأ الباقون بالتخفيف وبناء الفعل للفاعل، ولكنهم أجمعوا على قراءة آية القصص بالتخفيف، ولو كانت القراءة اجتهاداً لاختلفوا في القراءتين أو اتفقوا عليهما.
ونحن إذا أنعمنا النظر في الآيتين الكريمتين أدركنا حكمة الاختلاف والاتفاق، فآية سورة هود التي اختلفت فيها القراءات يصح توجيهها على كلتا القراءتين، فقراءة التشديد تبين أن الرحمة قد عمّيت، وقد يكون الذي عمّاها عليهم هو الله تبارك وتعالى لأن قلوبهم غلف، فأضلهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم، وقد يكون غيره سبحانه، وهو خلاف مشهور بين المفسرين. قال تعالى: (زيّن للناس حب الشهوات) (آل عمران: 14)، وقال: (زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا) (البقرة: 212)، فقد قيل إن المزيّن هو الله سبحانه، وقيل إن المزيّن هو الشيطان، ولكلٍّ وجهة فيما ذهب إليه. وهذا يصدق على الآية التي نتحدث عنها.
وقراءة التخفيف تدل على أن الرحمة هي التي عميت عليهم وهو أسلوب في العربية شائع مشتهر، يقال: أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الإصبع. فمعنى عميت عليهم الرحمة أنهم هم عموا عنها، أو تكون عميت بمعنى خفيت، ويكون ذلك من باب المجاز. قال الشيخ زاده رحمه الله: "وقرأ الباقون بفتح العين وتخفيف الميم. والمعنى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمى دليل القوم عليهم في المفازة فإن الحجة كما توصف بالإبصار إذا كانت معلومة لأنها هادية كالبصر. قال تعالى: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة). كذلك توصف بالعمى إذا كانت مجهولة خفية لكونها غير هادية. قال الله تعالى: (فعميت عليهم الأنباء)"([1">).
أما آية القصص وقد اتفقوا على قراءتها بالتخفيف، فإن التشديد فيها غير ممكن من جهة المعنى، فإنها تتحدث عن يوم القيامة، وهو اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت، وهو اليوم الذي تتحقق فيه العدالة (لا ظلم اليوم). وعلى هذا فلا يعقل ولا يصح أن يعمى على هؤلاء شيء، فإن التعمية لا تتفق ولا تنسجم مع العدل المطلق الذي يتحقق في ذلك اليوم كيف وهم لا يظلمون فتيلاً، ويعلم الله أن تدبر هاتين الآيتين فيه رد حاسم وتقرير جازم على كل أولئك الذين أرادوا أن يثيروا زوبعة حول هذه القراءات، وهو مع ذلك برهان ساطع على مظهر الإعجاز لتلك القراءات المتواترة.
- قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم . ذي قوة عند ذي العرش مكين . مطاع ثَمّ أمين . وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين . وما هو على الغيب بضنين...) ([2">)( التكوير: 19-24). فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء (بظنين) ومعناه (بمتهم)، وقرأ الباقون بالضاد ومعناه ببخيل. فقراءة الظاء منسجمة مع الوصف السابق وهو قوله سبحانه (أمين)، أما قراءة الضاد فمعناها أنه ليس بخيلاً بما أمر بتبليغه فلا يكتم ما عنده تلقاء أجر يتلقاه، كما يفعل الكهّان. وعلى هذا فهذه القراءة منسجمة مع ما بعدها من قوله: (وما صاحبكم بمجنون)؛ فإن نفي الكهانة والجنون جاء في مثل قوله سبحانه: (فذكّر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون). وهكذا تتفق القراءة الأولى مع ما قبلها، وتنسجم الثانية مع ما بعدها.
وهناك أمر آخر يظهر لي من اختلاف القراءتين وهو أن هذه الآيات الكريمة اختلف فيها المفسرون، فبعضهم ذهب إلى أن المقصود جبريل عليه السلام، وآخرون قالوا إن المقصود هو النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الأمر كذلك وكان كلٌّ من المعنيين صحيحاً، فإن الذي أراه أن قراءة الضاد ترجح أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي ليس بخيلاً بوحي الله كما هو شأن الكهان الذين يبخلون بتخرصات الشياطين، وقراءة الظاء ترجح أنه جبريل عليه السلام الذي اتهمه اليهود، كما حكى لنا القرآن المدني فيما بعد: (قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله). هذا ما يبدو لي في توجيه هاتين القراءتين من حيث النظم، ولله درّ التنزيل!
- قوله تعالى: (ليس البر أن تولّوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب) (البقرة: 177): قرأ حمزة وحفص بنصب البر، وقرأ الباقون برفعه. ونستطيع أن نفهم القراءتين من الجهة البلاغية إذا نظرنا في سبب النزول، فقد قال قتادة والربيع ومقاتل وعوف الأعرابي: إنها نزلت في اليهود حينما اعترضوا على المسلمين يوم أن حُوّلت القبلة. وقال ابن عباس وعطاء والضحاك وجماعة: إنها نزلت في المؤمنين؛ فقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ عن البر فنزلت([3">).
ولا ريب أن السبب الأول يتفق اتفاقاً تامّاً ويتسق اتساقاً كاملاً مع قراءة النصب؛ لأن نظم الآية على هذا يكون هكذا: ليست توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر، فـ (أن) والفعل موّل بمصدر هو اسم ليس. أما السبب الآخر فهو منسجم مع القراءة الثانية وهو أن يكون البر مبتدأ، والمعنى: ليس البر توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب، وهذا يتفق مع السؤال عن البر.
ولكي نقرب هذا المعنى يجمل أن نتصور الفرق بين قولنا: أخو زيد أحمد، وقولنا: أحمد أخو زيد. فأخو زيد في الجملة الأولى هو المبتدأ، وأحمد هو المبتدأ في الجملة الثانية. وبين الجملتين فرق شاسع؛ لأن المبتدأ لا بد أن يكون معروفاً للمخاطَب، ففي الجملة الأولى يَعْرِف المخاطب أخا زيد، ولكنه لا يعرف أنه أحمد، وفي الجملة الثانية يعرف المخاطب أحمد، ولكنه لا يعرف أنه أخو زيد. فتولية المشرق والمغرب كانت هي الأساس عند أولئك الذين أثاروا ضجة على المسلمين يوم أن تحولت القبلة، فكانت هذه التولية عندهم هي الجوهر والمرتكز، فناسب أن تكون مبتدأً، فجعلت اسم ليس. أما في السبب الثاني فالبر هو الركيزة وهو المسؤول عنه فناسب أن يكون هو المبتدأ.
هكذا أعطت كلٌّ من القراءتين معنى بيانيّاً منسجماً مع ما قيل في الآية من أسباب النزول. أما ما أثاره النحويون من أولوية لأحد الوجهين من حيث الإعراب فغير مسلّم لهم، وليس من غرضنا الخوض فيه كذلك.
- يقول سبحانه: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) (النساء: 1): قرأ حمزة بجر الأرحام، والباقون بنصبها. ولقد أثار بعض النحويين والمفسرين إثارات كثيرة حول قراءة حمزة، وردّوها بحجة مخالفتها القواعد العربية، وبأن العرب لا تنسق اسماً ظاهراً على ضمير -كما يقول الطبري([4">)- أي لا تعطف. وذهب بعضهم يفتّش وينقّب عن أبيات من شعر ليصحح بها قراءة حمزة، ولم يحسنوا صنعاً فلا يجوز أن نردّ قراءة متواترة من أجل قاعدة قعّدها بعض النحويين.
ولقد ردّ كثير من العلماء والأئمة والمفسرين واللغويين على هذه الإثارات مبينين أن حمزة بن حبيب لم يقرأها لحناً وإنما نقلها مشافهة نقلاً ثَبُت تواتره. ومن هؤلاء: الفخر الرازي والآلوسي وصاحب المنار، ونثبت هنا كلمة الآلوسي، يقول: "وقرأ حمزة بالجر، وخرجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور، وضعّف ذلك أكثر النحويين بأن الضمير المجرور كبعض الكلمة لشدة اتصاله بها، فكما لا يعطف على جزء الكلمة لا يعطف عليه.
وأول من شنّع على حمزة في هذه القراءة أبو العباس المبرد حتى قال: لا تحل القراءة بها، وتبعه في ذلك جماعة -منهم ابن عطية-، وزعم أنه يردّها وجهان: أحدهما أن ذكر أن الأرحام مما يتساءل بها، وهذا مما يغضّ من الفصاحة، والثاني أن في ذكرها على ذلك تقرير التساؤل بها، والقسم بحرمتها، والحديث الصحيح يردّ ذلك، فقد أخرج الشيخان عنه صلى الله تعالى عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله تعالى أو ليصمت).
وأنت تعلم أن حمزة لم يقرأ كذلك من نفسه ولكن أخذ ذلك بل جميع القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش، والإمام بن أعين، ومحمد بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد الصادق -وكان صالحاً ورعاً ثقة في الحديث- من الطبقة الثالثة.
وقد قال الإمام أبو حنيفة والثوري ويحيى بن آدم في حقه: غلب حمزة الناس على القراءة والفرائض، وأخذ عنه جماعة وتلمذوا عليه، منهم إمام الكوفة -قراءةً وعربيةً- أبو الحسن الكسائي، وهو أحد القراء السبعة الذين قال أساطين الدين: إن قراءتهم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يقرأ بذلك وحده بل قرأ به جماعة من غير السبعة كابن مسعود وابن عباس وإبراهيم النخعي والحسن البصري وقتادة، ومجاهد وغيرهم -كما نقله ابن يعيش- فالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة ونهاية الجسارة والبشاعة، وربما يخشى من الكفر، وما ذكر من امتناع العطف على الضمير المجرور وهو مذهب البصريين ولسنا متعبدين باتباعهم. وقد أطال أبو حيان في "البحر" الكلام في الرد عليهم، وادعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح، بل الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من الجواز، وورد ذلك في لسان العرب نثراً ونظماً، وإلى ذلك ذهب ابن مالك، وحديث أن ذكر الأرحام -حينئذ لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى- ساقط من القول لأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة -وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم- فالتساؤل بالأرحام مما يقتضيه بلا ريب، وإن أريد الأعم فلدخوله فيها. وأما شبهة أن في ذكرها تقرير التساؤل بها، والقسم بحرمتها، والحديث يرد ذلك للنهي فيه عن الحلف بغير الله تعالى، فقد قيل في جوابها: لا نسلّم أن الحلف بغير الله تعالى مطلقاً منهي عنه، بل المنهي عنه ما كان مع اعتقاد وجوب البر، وأما الحلف على سبيل التأكيد مثلاً فممّا لا بأس به، ففي الخبر: (أفلح وأبيه إن صدق)، وقد ذكر بعضهم أن قول الشخص الآخر: أسألك بالرحم أن تفعل كذا ليس الغرض منه سوى الاستعطاف. وليس هو كقول القائل: والرحم لأفعلنّ كذا، ولقد فعلت كذا. فلا يكون متعلق النهي في شيء"([5">). وأما صاحب المنار فلقد أطال النفس، وصال وجال([6">)، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن السؤال بالرحم ليس قسماً واستشهد على ذلك بشواهد كثيرة.
قراءة حمزة -إذن- مستقيمة من حيث اللغة ومن حيث المعنى، من الوجهة النحوية والوجهة البلاغية، فقراءة النصب تحث على صلة الأرحام وتحذّر من قطعها؛ إذ أكثر اللغويين على أن التقدير: واتقوا الله، واتقوا الأرحام. وليس معنى اتقائها إلا صلتها وعدم قطعها والإحسان إليها. وأما قراءة الجر ففيها رفعٌ من شأن الرحم وتذكير لهم بصنيعهم إذ كانوا في عظائم أمورهم يتساءلون بالأرحام. "وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه. وليس هذا من باب الأقسام، فإن الأقسام بغير جعفر أعظم، بل من باب حق الرحم؛ لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر، وجعفر حقه على علي"([7">).
- ونختم بهذه الآية الكريمة: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون): قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين ونصب (نوره). وربما يظن لأول وهلة أن القراءتين شيء واحد، إلا أن من يدرك أسرار العربية في إحكامها وأحكامها ودقتها تتشوّف نفسه إلى ما تعطيه هذه الحركات من فروق بين المعاني ناتجة عن الفروق بين الألفاظ.
إن من روعة العربية أنها تفرق بين المعنيين بالحركة تارة فيقولون: ضُحْكَة وضُحَكَة، فبإسكان الحاء هو الذي يُضحَك منه, وبفتحها هو الذي يَضحك من غيره. وقد يكون التفريق بحرف من حروف المعاني كتفريقهم بين (اللام) و(إلى)، فشتّان بين قولنا: أحمد أحبّ لأبيه. و: أحمد أحبّ إلى أبيه. قال تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا) (يوسف: ).
وقد يكون التفريق بحرف من حروف المعجم فقد فرّقوا بين النضج والنضح، والقبص والقبض، وقد يكون التفريق بالتنوين. يقال: هذا ضاربُ زيدٍ. وضاربٌ زيداً، والأول يفيد تحقق الضرب ووقوعه. قال ابن قتيبة: "ولها الإعراب الذي جعله الله وشياً لكلامها وحلية لنظامها، وفارقاً في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين المختلفين كالفاعل والمفعول لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما بالإعراب، ولو أن قائلاً قال: هذا قاتلٌ أخي -بالتنوين-، وقال آخر: هذا قاتلُ أخي -بالإضافة-؛ لدلّ التنوين على أنه لم يقتله، ودلّ حذف التنوين على أنه قد قتله"([8">).
وعلى هذا يجب أن نفهم الآية الكريمة، فقراءة الإضافة ترشد إلى أن الله تبارك وتعالى قد أتم نوره، وقد يكون هذا الإتمام بإكمال الدين، وقد يكون بنصر أهله والتمكين لهم ودحر أعدائهم.
قراءة الإضافة -إذن- فيها المنة الإلهية على نبيه والمؤمنين معه بما أكرمهم الله به من إتمام هذا النور، ولكن القرآن الكريم ليس لهذه الفئة وحدها، بل هو للمسلمين جميعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإذا كانت قراءة الإضافة فيها منّة إلهية، فإن قراءة التنوين فيها عدة ربانية ووعد الله لا يتخلف، فيها طمأنينة للمؤمنين عندما تَدْلَهِمُّ ظلمة، ويُوحش ليل، ويستنسر بغاث، بأن حالاً مثل هذا لن يدوم أبداً، ولا بد أن يتم الله نوره كما أتمه من قبل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) (النور: 55). فما أسدّ كلاًّ من القراءتين في معناها، وما أصدق كل قراءة فيما ترشد إليه!

------------------------------------
الهوامش:
[1"> الشيخ زاده: محمد عبد الوهاب بن عبد الكريم (ت 975هـ( 1568م)، حاشية زاده على البيضاوي (أربعة أجزاء)، دار الطباعة الباهرة ببولاق مصر، 1263هـ، جـ3، ص 42.

[2"> يمكن أن تكون هذه الآية الكريمة مثالاً لاختلاف الأحرف من حيث التبديل والتغيير.

[3"> أبوحيان: البحر المحيط: جـ2، ص2.

[4"> الطبري: جامع البيان جـ4، ص 152.

[5"> الآلوسي: روح المعاني: 4/ 184-185.

[6"> محمد رشيد رضا: تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، 12 جزءاً، مكتبة القاهرة، جـ4، ص332، وسيشار إليه عند وروده هكذا: رشيد رضا: المنار.

[7"> رشيد رضا: المنار جـ4/ 332.

[8"> ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت276هـ - 889م) تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية ص11.

مجلة الفرقان


:o
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://assilcours.ahlamontada.net
 
القراءات القرآنية من الوجهة البلاغية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القراءات القرآنية
» اختلاف القراءات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــتديــات أبـــــواب المعرفة للتعلــــيم الأصيـــــــل :: منتديات علــوم الديــن :: علوم التفسير-
انتقل الى: