أن الوجودية مثلت تصور جديد جسد موقف فكري مثلما الماركسية مثلت موقف من الليبرالية في ظل هيمنة الدولة فجاءت الوجودية بموقف رافض للنتائج التي قيدت حرية الفرد .
وعملت على إعادة له مكانه كبير في موقفه اتجاه ذاته او اتجاه الآخرين . وهي أيضا” تعود إلى تراث طويل لعل شوبنهاور احد جذوره المتجذره وبقوله : ((بالفعل في صورته العليا نصل إلى الإنسان الذي تبلغ فيه الإرادة أعلى درجة من درجات تحققها , وتتخذ الفردية اوضح رسومها ومعالمها فتظهر الخصائص الفردية بكل تمييز ووضوح وتعبر عن نفسها باطنا” وخارجا”)) (1 )أما التصور الهيدجري : ( لما كان الإنسان هو الموجود الذي تنحصر كل ماهيته في وجوده نفسه , فليس بدعا” ان تتخذ منه ( الانطولوجيا) نقطة ارتكاز لها , خصوصا” وان كل التحديات الاساسية للموجود البشري انما هي أساليب ليونة أو ( انماء وجود ) .
ومعنى هذا أن الإنسان لايهم الانطولوجيا من حيث هو انسان بل من حيث ذلك الكائن الذي ينكشف من خلاله معنى الوجود واذن فليس يكفي أن تقول إن الإنسان هو الموجود الذي يفهم الإنساني للوجود وهو نفسه وجود , بمعنى أنه ليس صفه وانما هو أسلوبه في الكينونة )(2)
اما سارتر يقول : لما كان البشر لا يعيشون الا في عالم بشري أي في عالم وانتاج وصراع , فأن سائر الموضوعات التي تحيط بهم لابد من أن تكون عبارة عن علامات أو (إمارات ) signs وهو يرى في الحرية موقفين كل منهما مرتبط بحقبه معرفية ولها جذورها ومرجعيتها الفكرية الا أنه عمل على الجمع بين الموقفين مع إحداث إصلاحات في كل منهما وهما يظهران بالشكل الأتي :
الموقف الأول : ( الموقف النفسي ) وفيها يواصل الحملة الوجودية التي بدأت مع (( كير كجارد )) kier kegarrd )) )) ضد أولئك الذين كانوا يقسرون الآن الأمر الأول قد يحتل مرحلتين في مشروع سارتر الاولى هي المرحلة النفسية والتي توزعت على مجموعة من الأعمال :
1 – مقالة في مجلة (( الأبحاث الفلسفية )) سنة 1936 .
2 – كتاب التخيل سنه 1936 .
3 – كتاب (( الخيال )) سنة 1940 .
اما المرحلة الثانية وهي تعرف بالحقبة الانطولوجيه حيث كان بين ظاهراتيه هسرل ووجودية هيدجر تمثلت في كتابه (( الوجود والعدم ))(3) أي إننا نلمس الأمر الأول قد تشكل في حقبتين اجتمعتا في تحديد موقفه من الحرية الفردية / النفسيه .
حيث نلمس هذا الامر في حديثه ضمن المرحلة النفسية ففي المقالة الأولى يناقش سارتر المعاني الاساسية في ظاهريات هسرل : الرد الظاهرياتي , وضع العالم بين اقواس , الشعور المحض . وينتهي الى تقرير أن هسرل لم يدفع بالرد الظاهرياتي الى مدى كافٍ وانه بقوله بالهوية بين الآنا وبين الشعور المحض إنما وصل الى خليط من العناصر المتباينة اصليا” ذلك أن ألذات ليست كالشعور المحض الذي الذي يستنفذ نفسه في العيان المباشر , بل هي تعلو على الشعور وتكون جزءا” من العالم(4) حيث يقدم سارتر توصيف معرفي لشعور يحاول أن يدخل المرجعية الوجودية التي مثلها ((هيدجر)) وهذا ما وضحه سارتر في كتابه ( التخيل ) حيث يقول : فإن التخيل يقيم الى جانب موضوعات الإدراك الحسي موضوعات أخرى غير موجودة . وهكذا نجد أن للشعور بعدا” ثانيا” هو بعد الأشياء غير الموجودة الأشياء اللاواقعية . وهذا البعد هو وليد لحرية والدليل القاطع عليها , إذ يدل على أن الشعور ليس مقصودا” ىأو ملزما” بالتعلق بما هو كائن بل في وسعه أن يتعلق بما ليس بكائن ومتى هذا الشعور غير خاضع للضرورة الزمانية ـ المكانية التي تفرض نفسها على الأشياء . وهكذا ينتقل من الظاهراتية الى الانطولوجية .
أما في كتابه الثالث ( الخيالي ) سنه 1940 الذي يؤكد فيه معنى الحرية ابتداء” من فكرة ماهو خيالي (5).
في هذه الحقبة ومنع تصورات اختلاقية عن الحرية وان كانت تخيل أن مفهوم الواجب عند كاتط في العقل العملي الا انه يتناولها من زاوية الحرية والمسؤولية تستقي فيها الملامح التالية :
الأول : يضع سارتر للوجودية مبدأ ( بأن الوجودية يسبق الماهية ) وفيه تأثر يهيدجر فالإنسان يوجد أولا” غير محدد بصفة ثم يلقي بنفسه في المستقبل , ويشعر انه يلقي بنفسه في المستقبل (…. ) وهذه المسؤولية لابد أن تثير الإنسان القلق البالغ الهائل أيضا” فالإنسان يحاول الفراغ من هذا القلق بإسدال قناع عليه (6)
أما النتيجة التي يصل اليها من مبدأ الوجود يسبق الماهية هي ( الحرية ) فما دام الانسان في بدء وجودة ليس شيئا” وما دام هو الذي سيصمم نفسه , فهو لابد حر .
أما الحقيقة الثانية والتي اتسمت بالوجودية وهي التي جاءت في كتابه ( الوجود والعدم ) وفيه تناول الحرية النفسية من خلال تأكيده على نمطين من الوجود هما :
1 – الوجود في ذاته : يتألف من مجموع الواقع , أو الوجود المباشر وليس فيه حاله إلــــــــى
جوهر ثابت بل هو سلسلة من الظواهر أنه متكتل .
2 – الوجود لذاته هو الوجود الذي ليس اياه , اعني ليس هو ذاته ومن هنا يبدأ السلب ولهذا
الوجود لذاته ( هو الاساس في كل سلب وفي كل أضافه , انه الاضافه نفسها ) (7)
الموقف البشري تفسيرا” موضوعيا” صرفا” ونرد بأن دفاع سارتر عن ( الحرية ) لم يكن سوى رد فعل عنيف ضد اولئك الذين لم يكونوا ينسبون الى الوعي البشري أيه قدرة على (المباداة ) Initiative . ثم جاءت ظروف الحرب الاخيرة فاستطاع سارتر خلالها أن يحصل على الكثير من الخبرات الحسية , وكان من نتيجة تجاربه المعاشية خلال فترة الاحتلال والمقاومه والتحرير , أن اكتسبت وجوديته طابعا” تاريخيا” او حاول سارتر أن يستوعب في نظرته الى الموقف البشري ـ شتى العوامل المؤثره على الوجود الإنساني(8) وهذا يقود الى الموقف الثاني الا اننا في مجال الموقف النفسي الذي يوصف ( يميل سارتر دائما” الى مذهب الانا وحدية ( نظرية انحصار ألذات في نفسها ) فهو يجد في صورة العلاقات بين الناس في المجتمع مصدر تهديد كيان الشخصية الفردية اذ انها تهيء امام الانسان فرص خداعه لنفسه وفرص التخفي وراء قناع وان مسحة من التشاؤم لتسري في مناقشة سارتر للعلاقات الإنسانية وهي مسحة تبدو في كل من رواياته وكتبه .
بيد أن دقة تحليلاته توضح في أفضل حالاتها الأسلوب الذي تبدو أحيانا” معه المشكلات الفلسفية النقدية مثل مشكلة ( علمنا بالعقول الأخر ) كأنما هي محلولة في واقع الأمر وذلك عن طريق الوصف المستوعب المدعم ثم إعادة الوصف إعادة تستغرق مجال المشكلة التي تكون موضع البحث )(9) وهذا الموقف يظهر من خلاف مفهوم ( القلق ) ففي كتاب ( الوجود والعدم ) لم يكن يؤذن بأي نظرية اجتماعية ايجابية , خصوصا” وان سارتر قد صور الوعي الفردي ـ في كتاب الوجود والعدم ـ بصورة وعي حر مستقل منعزل , مغلق على ذاته )(1-) وبهذا فقد وضع سارتر في تحديد تلك الحرية النفسية والتي من خلالها تتم العلاقة بين ألانا والأخر حيث وضع قيدين هما :
1 – القيد الاول فهو واقعة وجودي نفسها , على اعتبار أن وجودي لا يتوقف علي , وأنني لست حرا” في الا أكون حرا” .
2 – القيد الثاني فهو واقعة وجود ( الاخر ) على اعتبار أن من الواضح في الموقف النفسي يحاول أن يناقض قدر الامكان على العمل والإدارة وانه ليس مقيد خارجي صارم يعمل دون دخل من الإنسان الا انه ادرك الخطأ الذي وقع فيه عند عزل الإنسان دون الفعل الواقعي أي انه بقي يتحدث عن الممكنات الباطنية وترك فعالية النفير الواقعية وهذه ما أدركها في تناوله في كتابه الثاني ( نقد العقل الجدلي ) فقد بدأ يدرك قدرة الآخرين على احالة ( الانا ) الى مجرد موضوع , كما تراه يبرز بأهتمام اكبر شتى القيود الخارجية التي كثيرا” ما تجيء فتريحه على حياة الناس الباطنه فقد أصبح سارتر معنيا” بدرجة الحرية العملية التي يمتلكها الناس بالفعل , فصار يضعها في مكان الصدارة بالنسبة الى الحرية النفسية التي طالما تحدث عنها في كتابه السابق( الوجود والعدم ) لكنه أصبح أميل الى الاعتراف بأن الحرية ليست مجرد واقعة محضه هي اقرب الى التجريد اقرب منها الى شيء أخر وإنما هي حقيقية تاريخية مشروطة بالكثير من الظروف (11).
وهذا التحول من البعد النفسي الى الاجتماعي للحرية قد نلمس ملامحه في النقاط التالية في مواقف سارتر وهي الآتية :
1 – في العلاقة بين مفهوم ( القلق ) ومفهوم ( الحاجة ) حيث ينتمي المفهوم الأول الــــــــــى المرحلة السابقة على عكس المفهوم الثاني الذي هو حاله تحول أصابت سارتر وحينمـــا استبدل مفهوم ( القلق ) بمفهوم ( الحاجة ـ Besoin ) . في وقت كان في البعد النفســـي
يرى ( القلق ) في قوله انما يتعرف على ذاته من خلال ( القلق ) لان الإنسان في صميمه قلق لهذا أتصور الحرية البشرية على نشاط مستمر يقوى في كل حين على تغيير موضوعات رغبته , وكان في استطاعة الحرية أن تنتصر على شتى العوائق , وأن تخيل كل العقبات الى أدوات .